ويقال إن سبيل من حج البيت أن يقوم بآداب الحج، فإذا عقد بقلبه الإحرام يجب أن يفسخ كلَّ عَقْدٍ يصدُّه عن هذا الطريق، وينقض كل عزم يرده عن هذا التحقيق، وإذا طَهَّرَ تَطَهَّرَ عن كل دَنَسٍ من آثار الأغيار بماء الخجل ثم بماء الحياء ثم بماء الوفاء ثم بماء الصفاء، فإذا تجرَّد عن ثيابه تجرد عن كل ملبوسٍ له من الأخلاق الذميمة، وإذا لبَّى بلسانه وجب ألا تبقى شَعْرَةٌ مِنْ بَدَنِهِ إلا وقد استجابت لله. فإذا بلغ الموقف وقف بقلبه وسِرِّه حيث وقفه الحق بلا اختيار مقام، ولا تعرض لتخصيص ؛ فإذا وقف بعرفات عرف الحق سبحانه، وعرف له تعالى حقَّه على نفسه، ويتعرَّف إلى الله تعالى بِتَبَرِّيه عن مُنَّتِه وحَوْلِه، والحقُّ سبحانه يتعرَّف إليه بِمِنَّته وطَوْله، فإذا بلغ المشعر الحرام يذكر مولاه بنسيان نفسه، ولا يصحُّ ذكرُه لربِّه مع ذكره لنفسه، فإذا بلغ مَنيّ نفى عن قلبه كل طَلَبٍ ومُنَى، وكلَّ شهوةٍ وهوى.
وإذا رمى الجمار رمى عن قلبه وقذف عن سره كل علاقة في الدنيا والعقبى.
وإذا ذبح ذبح هواه بالكلية، وتَقَرَّب به إلى الحق سبحانه، فإذا دخل الحَرَمَ عَزَمَ على التباعد عن كل مُحرَّم على لسان الشريعة وإشارة الحقيقة.
وإذا وقع طَرْفُه على البيت شهد بقلبه ربَّ البيت، فإذا طاف بالبيت أخذ سِرُّه بالجولان في الملكوت.
فإذا سعى بين الصفا والمروة صفَّى عنه كل كدورة بشرية وكل آفة إنسانية.
فإذا حَلَقَ قطع كلَّ علاقة بقيت له.
وإذا تحلل من إحرام نفسه وقصده إلى بيت ربِّه استأنف إحراماً جديداً بقلبه، فكما خرج من بيت نفسه إلى بيت ربه يخرج من بيت ربه إلى ربه تعالى.
فمن أكمل نُسْكَه فإنما عمل لنفسه، ومن تكاسل فإنَّ الله غني عن العالمين وقال ﷺ :" الحاج أشعث أغبر "، فمن لم يتحقق بكمال الخضوع والذوبان عن كليته فليس بأشعث ولا أغبر.
أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٢٦٠ ـ ٢٦٤﴾. بتصرف يسير.


الصفحة التالية
Icon