منها ففي غاية البعد فتأمله ولا يكاد يخطر بالبال من الآية وهذا كما يقول لله عليك الحج ولله عليك الصلاة والزكاة ومن فوائد الآية وأسرارها أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه يذكره بلفظ الأمر والنهي وهو الأكثر أو بلفظ الإيجاب والكتاب والتحريم نحو :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ نظم الآية وتأكد الوجوب وفي الحج أتى بهذا النظم الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه أحدها : أن قدم اسمه تعالى وأدخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص ثم ذكر من أوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليها حرف على ثم أبدل منه أهل الاستطاعة ثم نكر السبيل في سياق الشرط إيذانا بأنه يجب الحج على أي سبيل تيسرت من قوت أو مال فعلق الوجوب بحصول ما يسمى سبيلا ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر فقال : ومن كفر أي بعدم التزام هذا الواجب وتركه ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره باستغنائه عنه والله تعالى هو الغني الحميد ولا حاجة به إلى حج أحد وإنما في ذكر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقته له وسخطه عليه وإعراضه بوجهه عنه ما هو من أعظم التهديد وأبلغه ثم أكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما ولم يقل فإن الله غني عنه لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه عن كل أحد بكل اعتبار وكان أدل على عظم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه ثم أكد هذا المعنى بأداة إن الدالة على التوكيد فهذه عشرة أوجه تقتضي تأكيد هذا الغرض العظيم وتأمل سر البدل في الآية المقتضى لذكر الإسناد مرتين مرة بإسناده إلى عموم الناس ومرة بإسناده إلى خصوص المستطيعين وهذا من فوائد البدل تقوية المعنى وتأكيده بتكرار الإسناد ولهذا كان فيه نية تكرار العامل وإعادته ثم تأمل ما في الآية من