وحقّ التقوى هو أن لا يكون فيها تقصير، وتظاهر بما ليس من عمله، وذلك هو معنى قوله تعالى :﴿فاتَّقوا الله ما استطعتم﴾ [ التغابن : ١٦ ] لأنّ الاستطاعة هي القدرة، والتَّقوى مقدورة للنَّاس.
وبذلك لم يكن تعارض بين الآيتين، ولا نسخ، وقيل : هاته منسوخة بقوله تعالى :﴿فاتقوا اللَّه ما استطعتم﴾ لأنّ هاته دلّت على تقوى كاملة كما فسَّرها ابن مسعود : أن يطاع فلا يعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويذكر فلا يُنْسى، ورووا أنّ هذه الآية لمَّا نزلت قالوا :"يا رسول الله من يَقوىَ لهذا" فنزلت قوله تعالى :﴿فاتَّقوا الله ما استطعتم﴾ فنسَخَ هذه بناء على أنّ الأمر في الآيتين للوجوب، وعلى اختلاف المراد من التقويين.
والحقّ أنّ هذا بيان لا نسخ، كما حقَّقه المحقِّقون، ولكن شاع عند المتقدّمين إطلاق النَّسخ على ما يشمل البيان. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٧٣﴾
فصل
قال البغوى :
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ قال مقاتل بن حيان : كان بين الأوس والخزرج عداوة في الجاهلية وقتال حتى هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة، فأصلح بينهم فافتخر بعده منهم رجلان : ثعلبة بن غنم من الأوس وأسعد بن زرارة من الخزرج، فقال الأوسي : منّا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ومنّا حنظلة غسيل الملائكة، ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حميُّ الدبر، ومنّا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ورضي الله بحكمه في بني قريظة.