واعلم أن كل من يمشي على طريق دقيق يخاف أن تزلق رجله، فإذا تمسك بحبل مشدود الطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن من الخوف، ولا شك أن طريق الحق طريق دقيق، وقد انزلق رجل الكثير من الخَلْق عنه، فمن اعتصم بدليل الله وبيناته فإنه يأمن من ذلك الخوف، فكان المراد من الحبل ههنا كل شيء يمكن التوصل به إلى الحق في طريق الدين، وهو أنواع كثيرة، فذكر كل واحد من المفسرين واحداً من تلك الأشياء، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالحبل ههنا العهد المذكور في قوله ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] وقال :﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ الله وَحَبْلٍ مّنَ الناس﴾ [ آل عمران : ١١٢ ] أي بعهد، وإنما سمي العهد حبلاً لأنه يزيل عنه الخوف من الذهاب إلى أي موضع شاء، وكان كالحبل الذي من تمسك به زال عنه الخوف، وقيل : إنه القرآن، روي عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :" أما إنها ستكون فتنة " قيل : فما المخرج منها ؟ قال :" كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو حبل الله المتين " وروي عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال :" هذا القرآن حبل الله " وروي عن أبي سعيد الخُدْريّ عن النبي ﷺ أنه قال :" إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله تعالى حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي " وقيل : إنه دين الله، وقيل : هو طاعة الله، وقيل : هو إخلاص التوبة، وقيل : الجماعة، لأنه تعالى ذكر عقيب ذلك قوله ﴿وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾


الصفحة التالية
Icon