قوله ﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾ يدل على أن المعاملات الحسنة الجارية بينهم بعد الإسلام إنما حصلت من الله، لأنه تعالى خلق تلك الداعية في قلوبهم وكانت تلك الداعية نعمة من الله مستلزمة لحصول الفعل، وذلك يبطل قول المعتزلة في خلق الأفعال، قال الكعبي : إن ذلك بالهداية والبيان والتحذير والمعرفة والألطاف.
قلنا : كل هذا كان حاصلاً في زمان حصول المحاربات والمقاتلات، فاختصاص أحد الزمانين بحصول الألفة والمحبة لا بد أن يكون لأمر زائد على ما ذكرتم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤٣ ـ ١٤٤﴾
فائدة
قال الثعالبى :
ويسَّر اللَّه تعالى الأنصار للإسلام بوجْهَيْن :
أحدهما : أنَّ بني إسرائيل كانُوا مجاوِرِينَ لهم، وكانوا يقولُونَ لِمَنْ يتوعَّدونه من العَرَبِ : يُبْعَثُ لَنَا الآنَ نَبِيٌّ نَقْتُلُكُمْ معه قَتْلَ عَادٍ وإرَمَ، فلمَّا رأَى النَّفَر من الأنْصَارِ النبيَّ ﷺ قال بعضُهم لبعضٍ : هذا، واللَّهِ، النَّبيُّ الَّذِي تَذْكُرُه بَنُو إسرائيل، فلا تُسْبَقَنَّ إلَيْهِ.
والوجْهُ الآخرُ : الحَرْبُ الَّتي كَانَتْ ضرَّسَتْهم، وأفْنَتْ سراتهم، فَرَجوْا أنْ يجمع اللَّه به كلمتهم، فكان الأمر كما رَجَوْا، فعدَّد اللَّه سبحانَهُ علَيْهم نعمَتَهُ في تأليفهم بعد العَدَاوة، وذَكَّرهم بها قال الفَخْر : كانَتِ الأنصارُ قَبْلَ الإسلام أعداءً، فلما أكرمهم اللَّه [ سبحانه ] بالإسلام، صاروا إخواناً في اللَّه متراحِمِينَ.
واعلم أنَّ كلَّ مَنْ كان وجهه إلى الدنيا، كان معادياً لأكثر الخَلْق، ومَنْ كان وجهه إلى خدمة المولى سبحانه، لَمْ يكُنْ معادِياً لأحدٍ ؛ لأنه يَرَى الكُلَّ أسيراً في قبضة القَضَاء والقَدَر، ولهذا قيل : إن العارف، إذا أَمَرَ، أَمَرَ برفْقٍ، ونَصَحَ لاَ بِعُنْفٍ وعُسْر، وكيف، وهو مُسْتَبْصِرٌ باللَّه في القَدَر. أ هـ ﴿الجواهر الحسان حـ ١ صـ ٢٩٦﴾