قال : فلما انصرف القوم بعث معهم رسول الله ﷺ مُصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويُفقهَهم في الدين، وكان مُصعب يُسمى بالمدينة المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة، ثم إن أسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطًا، من حوائط بني ظفر، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حُضير : انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءَنا فازجرهما، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ولولا ذاك لكفيتكه، وكان سعد بن معاذ وأُسَيْد بن حضير سَيِّدَيْ قومِهما من بني عبد الأشهل وهما مشركان، فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إلى مصعب وأسعد وهما جالسان في الحائط، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه قد جاءك فأصدق الله فيه، قال مصعب : إن يجلسْ أكلمه قال : فوقف عليهما متشتّمًا فقال : ما جاء بكم إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة، فقال له مصعب : أوَ تجلس فتسمع ؟ فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره، قال : أنصفتَ ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا والله لَعَرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به، في إشراقه وتسهله، ثم قال : ما أحسن هذا الكلام وأجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسلُ وتُطهرُ ثوبَيك ثم تشهد شهادة الحق [ثم تصلي ركعتين فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق] ثم قام وركع ركعتين ثم قال لهما : إنَّ ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد وقومه، وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب من


الصفحة التالية
Icon