فإن المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان بعضاً منه أو فعلاً له أو صفة كما صرحوا به وما نحن فيه من الأول، ومن أطلق لزمه جواز قامت غلام هند، واختار الزمخشري الاحتمال الأخير، وقال ابن المنير :"وعود الضمير إلى الحفرة أتم لأنها التي يمتن بالانقاذ منها حقيقة، وأما الامتنان بالانقاذ من الشفا قلما يستلزمه الكون على الشفا غالباً من الهوي إلى الحفرة فيكون الانقاذ من الشفا إنقاذاً من الحفرة التي يتوقع الهوي فيها فإضافة المنة إلى الإنقاذ من الحفرة ( تكون ) أبلغ وأوقع مع أن اكتساب التأنيث من المضاف إليه قد عده أبو علي في "التعاليق" من ضرورة الشعر خلاف رأيه في "الإيضاح"، وما حمل الزمخشري على إعادة الضمير إلى الشفا إلا أنه هو الذي كانوا عليه ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالإنقاذ من الحفرة، وقد علم أنهم كانوا صائرين إليها غالباً لولا الانقاذ الرباني ( فبولغ في الامتنان بذلك ) ألا ترى إلى قوله ﷺ :" الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " وإلى قوله تعالى :﴿أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانهار بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [ التوبة : ١٠٩ ] فانظر كيف جعل تعالى كون البنيان على الشفا سبياً مؤدياً إلى انهياره في نار جهنم مع تأكيد ذلك بقوله سبحانه :﴿هَارٍ﴾ " انتهى، ومنه يعلم ما في قول أبي حيان ( في البحر" ٣٩١ ) : من "أنه لا يحسن عوده إلا إلى الشفا لأن كينونتهم عليه هو أحد جزأي الإسناد فالضمير لا يعود إلا إليه لا على الحفرة لأنها غير محدث عنها ولا على النار لأنه إنما جيء بها لتخصيص الحفرة. وأيضاً فالإنقاذ من الشفا أبلغ من الإنقاذ من الحفرة ومن النار ( لأن الإنقاد منه يستلزم الإنقاد من الحفرة ومن النار )، والإنقاذ منهما لا يستلزم الانقاذ من
الشفا فعوده على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، نعم ما ذكره من أن عوده على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ظاهر بناءاً على أن الأصل أن يعود الضمير على المضاف دون المضاف إليه إذا صلح لكل منهما ولو بتأويل إلا أنه قد يترك ذلك فيعود على المضاف إليه إما مطلقاً كما هو قول ابن المنير أو بشرط كونه بعضه أو كبعضه كقول جرير :
أرى مرّ السنين ( أخذن ) مني... فإن مرّ السنين من جنسها، وإليه ذهب الواحدي والشرط موجود فيما نحن فيه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٢٠﴾


الصفحة التالية
Icon