قال القاضي : إن كان ذلك الذنب من الصغائر صح أن يصف نفسه بأنه عفا عنهم من غير توبة، وإن كان من باب الكبائر، فلا بد من إضمار توبتهم لقيام الدلالة على أن صاحب الكبيرة إذا لم يتب لم يكن من أهل العفو والمغفرة.
واعلم أن الذنب لا شك أنه كان كبيرة، لأنهم خالفوا صريح نص الرسول، وصارت تلك المخالفة سبباً لانهزام المسلمين، وقتل جمع عظيم من أكابرهم، ومعلوم أن كل ذلك من باب الكبائر وأيضا : ظاهر قوله تعالى :﴿وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [ الأنفال : ١٦ ] يدل على كونه كبيرة، وقول من قال : إنه خاص في بدر ضعيف، لأن اللفظ عام، ولا تفاوت في المقصود، فكان التخصيص ممتنعا، ثم إن ظاهر هذه الآية يدل على أنه تعالى عفا عنهم من غير توبة، لأن التوبة غير مذكورة، فصار هذا دليلا على أنه تعالى قد يعفو عن أصحاب الكبائر، وأما دليل المعتزلة في المنع عن ذلك، فقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٣٢﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾ بمحض التفضل أو لما علم من عظيم ندمكم على المخالفة، وقيل : والمراد بذلك العفو عن الذنب وهو عام لسائر المنصرفين.