الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة، أي : غماً مصاحِباً لغم، ويكون الغمَّان للصحابة، بمعنى غَمًّا مع غم أو غماً على غم، فالغم الأولُ : الهزيمة والقتل، والثاني إشراف خالد بخيل الكفار، أو بإرجافهم : قتل الرسول ﷺ فعلى الأول تتعلق الباء بـ ﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾.
قال أبو البقاء وقيل : المعنى بسبب غم، فيكون مفعولاً به.
وعلى الثاني يتعلقُ بمحذوفٍ ؛ لأنه صفة لِـ " غَمّ " أي : غماً مصاحباً لغم، أو ملتبساً بغَمٍّ، وأجاز أبو البقاء أن تكون الباءُ بمعنى " بعد " أو بمعنى " بدل " وجعلها - في هذين الوجهين - صفة لـ " غماً ".
وكونها بمعنى " بعد " و" بدل " بعيدٌ، وكأنه يريدُ تفسير المعنى، وكذا قَالَ الزمخشريُّ غماً بَعْدَ غَمٍّ.
قوله :﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ هذه لام " كي " وهي لام جرٍّ، والنصب - هنا - بـ " كي " لئلاَّ يلزم دخول حرفِ جرٍّ على مثله، وفي متعلَّق هذه اللام قولانِ :
أحدهما : أنه ﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾ وفي " لا " على هذا وجهانِ :
الأول : أنها زائدةٌ ؛ لأنه لا يترتب على الاغتمام انتفاء الحُزْن، والمعنى : أنه غمهم ليُحْزِنهم ؛ عقوبةً لهم على تركهم مواقفهم، قاله أبو البقاء.
الثاني : أنها ليست زائدة، فقال الزمخشريُّ : معنى ﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ لتتمرَّنوا على تجرُّع الغمومِ، وتتضرروا باحتمال الشدائد، فلا تحزنوا فيما بعدُ على فائتٍ من المنافع، ولا على مُصِيبٍ من المضارّ.
وقال ابن عطية :" المعنى : لتعلَمُوا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم، فأنتم ورَّطتم أنفسكم، وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إذا ظن البراءة من نفسه ".