اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا :﴿هل لنا من الأمر من شيء﴾، وهذا الكلام محتمل، فلعل قائله كان من المؤمنين المحقين، وكان غرضه منه إظهار الشفقة، وأنه متى يكون الفرج ؟ ومن أين تحصل النصرة ؟ ولعله كان من المنافقين، وإنما قاله طعنا في نبوة محمد ﷺ وفي الإسلام فبين تعالى في هذه الآية أن غرض هؤلاء من هذا الكلام هذا القسم الثاني، والفائدة في هذا التنبيه أن يكون النبي ﷺ متحرزا عن مكرهم وكيدهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٤٠﴾
قوله تعالى ﴿لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا﴾
إشكال وجوابه
قال الفخر :
قولهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا.
وفيه إشكال، وهو أن لقائل أن يقول : ما الفرق بين هذا الكلام وبين ما تقدم من قوله :﴿هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَىْء﴾ ويمكن أن يجاب عنه من وجهين :
الأول : أنه تعالى لما حكى عنهم قولهم :﴿هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَىْء﴾ فأجاب عنه بقوله :﴿الأمر كُلَّهُ للَّهِ﴾
واحتج المنافقون على الطعن في هذا الجواب بقولهم : لو كان لنا من الأمر شيء لما خرجنا من المدينة وما قتلنا ههنا، فهذا يدل على أنه ليس الأمر كما قلتم من أن الأمر كله لله، وهذا هو بعينه المناظرة الدائرة بين أهل السنة وأهل الاعتزال فإن السني يقول : الأمر كله في الطاعة والمعصية والإيمان والكفر بيد الله، فيقول المعتزلي : ليس الأمر كذلك، فإن الإنسان مختار مستقل بالفعل، إن شاء آمن، وإن شاء كفر، فعلى هذا الوجه لا يكون هذا الكلام شبهة مستقلة بنفسها، بل يكون الغرض منه الطعن فيما جعله الله تعالى جوابا عن الشبهة الأولى.


الصفحة التالية
Icon