فقوله :﴿ فقد مس القوم قرح ﴾ ليس هو جواب الشرط في المعنى ولكنّه دليل عليه أغنى عنه على طريقة الإيجاز، والمعنى : إن يمسكم قرح فلا تحْزنوا أو فلا تهنوا وهَناً بالشكّ في وعد الله بنصر دينه إذ قد مسّ القومَ قرح مثله فلم تكونوا مهزومين ولكنّكم كنتم كفافاً، وذلك بالنِّسبة لقلّة المؤمنين نصر مبين.
وهذه المقابلة بما أصاب العدوّ يوم بدر تعيِّن أن يكون الكلام تسلية وليس إعلاماً بالعقوبة كما قاله جمع من المفسّرين.
وقد سأل هرقل أبا سفيان : كيف كان قتالكم له قال "الحرب بيننا سِجَال يَنَالُ مِنَّا وننال منه، فقال هرقل : وكذلك الرسل تبتلَى وتكون لهم العاقبة". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٢٨ ـ ٢٢٩﴾
سؤال : فإن قيل كيف قال :﴿قَرْحٌ مّثْلُهُ﴾ وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين ؟
قلنا : يجب أن يفسر القرح في هذا التأويل بمجرد الانهزام لا بكثرة القتلى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٣﴾
قوله تعالى :﴿وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس﴾

فصل


قال الفخر :
قال القفال : المداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر، يقال : تداولته الأيدي إذا تناقلته ومنه قوله تعالى :﴿كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ﴾ [ الحشر : ٧ ] أي تتداولونها ولا تجعلون للفقراء منها نصيباً، ويقال : الدنيا دول، أي تنتقل من قوم الى آخرين، ثم عنهم إلى غيرهم، ويقال : دال له الدهر بكذا إذا انتقل اليه، والمعنى أن أيام الدنيا هي دول بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارها، فيوم يحصل فيه السرور له والغم لعدوه، ويوم آخر بالعكس من ذلك، ولا يبقى شيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها.


الصفحة التالية
Icon