ولأجل هذا قالوا : إنّ علم الله تعالى غير زماني.
وقال المسلمون كلّهم : إنّ الله يعلم الكلّيات والجزئيات قبل حصولها، وعند حصولها.
وأجابوا عن شبهة الفلاسفة بأن العلم صفة من قبيل الإضافة أي نسبة بين العالِم والمعلوم، والإضافات اعتباريات، والاعتباريات عدميات، أو هو من قبيل الصّفة ذات الإضافة : أي صفة وجودية لها تعلّق، أي نسبة بينها وبين معلومها.
فإن كان العلم إضافة فتغيّرها لا يستلزم تغيّر موصوفها وهو العالم، ونظَّروا ذلك بالقديم يوصف بأنَّه قبل الحادث ومعه وبعده، من غير تغيّر في ذات القديم، وإن كان العلم صفة ذات إضافة أي ذات تعلّق، فالتغيّر يعتري تعلّقها ولا تتغيّر الصّفة فضلاً عن تغيّر الموصوف، فعلمُ اللَّهِ بأن القمر سيخسف، وعلمُه بأنَّه خاسف الآن، وعلمُه بأنَّه كان خاسفاً بالأمس، علم واحد لا يتغيّر موصوفة، وإن تغيّرت الصّفة، أو تغيّر متعلّقها على الوجهين، إلاّ أن سلف أهل السنّة والمعتزلة أبوا التَّصريح بتغيّر التعلُّق ولذلك لم يقع في كلامهم ذكر تعلقين للعلم الإلهي أحدهما قديم والآخر حادث، كما ذكروا ذلك في الإرادة والقدرة، نظراً لكون صفة العلم لا تتجاوز غيرَ ذات العالم تجاوزاً محسوساً.
فلذلك قال سلفهم : إنّ الله يعلم في الأزل أنّ القمر سيخسف في سنتنا هذه في بلد كذا ساعة كذا، فعند خسوف القمر كذلك عَلِم اللَّه أنَّه خسف بذلك العلم الأوّل لأنّ ذلك العلم مجموع من كون الفعل لم يحصل في الأزل، ومن كونه يحصل في وقته فيما لا يزال، قالوا : ولا يقاس ذلك على علمنا حين نعلم أنّ القمر سيخسف بمقتضى الحساب ثمّ عند خسوفه نعلم أنَّه تحقّق خسوفه بعلم جديد، لأنّ احتياجنا لعلم متجدّد إنَّما هو لطريان الغفلة عن الأول.


الصفحة التالية
Icon