وأجاب عنه عبد الحكيم في "حاشية المواقف" بأنّ أبا الحسين ذهب إلى أنَّه تعالى يعلم في الأزل أنّ الحادث سيقع على الوصف الفلاني، فلا جهل فيه، وأنّ عدم شهوده تعالى للحوادث قبل حدوثها ليس بجهل، إذ هي معدومة في الواقع، بل لو علمها تعالى شهودياً حينَ عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل، لأنّ شهود المعدوم مخالف للواقع، فالعلم المتغيّر الحادث هو العلم الشهودي.
فالحاصل أنّ ثمة علمين : أحدهما قديم وهو العلم المشروط بالشروط، والآخر حادث وهو المعلوم الحاصلة عند حصول الشروط وليست بصفة مستقلّة، وإنَّما هي تعلّقات وإضافات، ولذلك جرى في كلام المتأخّرين، من علمائنا وعلماء المعتزلة، إطلاق إثباتتِ تعلّقٍ حادثثٍ لعلم الله تعالى بالحوادث.
وقد ذكر ذلك الشَّيخ عبد الحكيم في "الرسالة الخاقانية" الَّتي جعلها لِتحقيق علم الله تعالى غير منسوب لقائل، بل عبّر عنه بقيل، وقد رأيت التفتزاني جرى على ذلك في "حاشية الكشّاف" في هذه الآية فلعل الشَّيخ عبد الحكيم نسي أن ينسبه.
وتأويل الآية على اختلاف المذاهب : فأمَّا الّذين أبو إطلاق الحدوث على تعلّق العلم فقالوا في قوله :﴿ وليعلم الله الذين آمنوا ﴾ أطلق العلم على لازمه وهو ثبوت المعلوم أي تميّزه على طريقة الكناية لأنَّها كإثبات الشيء بالبرهان، وهذا كقول إياس بن قبيصة الطائي :
وأقبلت والخطيّ يخطِر بينا...
لأَعْلَمَ مَن جَبَانَها مِنْ شجاعها
أي ليظهر الجبان والشُّجاع فأطلق العلم وأريد ملزومه.
ومنهم من جعل قوله :﴿ وليعلم الله ﴾ تمثيلاً أي فعل ذلك فِعْلَ من يريد أن يعلم وإليه مال في "الكشاف"، ومنهم من قال : العلّة هي تعلّق علم الله بالحادث وهو تعلّق حادث، أي ليعلم الله الَّذين آمنوا موجودين.
قاله البيضاوي والتفتزاني في "حاشية الكشّاف".


الصفحة التالية
Icon