احتج أصحابنا بهذه الآية على أن جميع الحوادث بإرادة الله تعالى فقالوا : منصب الشهادة على ما ذكرتم، فإن كان يمكن تحصيلها بدون تسليط الكفار على المؤمنين لم يبق لحسن التعليل وجه، وإن كان لا يمكن فحينئذ يكون قتل الكفار للمؤمنين من لوازم تلك الشهادة، فاذا كان تحصيل تلك الشهادة للعبد مطلوباً لله تعالى وجب أن يكون ذلك القتل مطلوباً لله تعالى، وأيضاً فقوله :﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾ تنصيص على أن ما به حصلت تلك الشهادة هو من الله تعالى، وذلك يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٥﴾
وقال القرطبى :
في قوله تعالى :﴿ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ﴾ دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقوله أهل السنة ؛ فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين : حمزةَ وأصحابِه وأراد قتلهم، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقَعه آدم، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرِده فامتنع منه ؛ وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق :﴿ ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٦ ].
وإِن كان قد أمر جميعهم بالجهاد، ولكنه خلق الكَسَل والأسباب القاطعة عن المسِير فقعدوا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ٢١٩﴾

فصل


قال الفخر :
الشهداء جمع شهيد كالكرماء والظرفاء، والمقتول من المسلمين بسيف الكفار شهيداً، وفي تعليل هذا الاسم وجوه :
الأول : قال النضر بن شميل : الشهداء أحياء لقوله :﴿بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] فأرواحهم حية وقد حضرت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها،
الثاني : قال ابن الانباري : لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالجنة، فالشهيد فعيل بمعنى مفعول،


الصفحة التالية
Icon