قال أبو حيان :" ولم يُعَيِّن فاعل العلة المحذوفة، إنما كَنَّى عنه بـ " كيت وكيت "، ولا يُكَنَّى عن الشيء حتى يُعْرَف، ففي هذا الوجه حذف العلة، وحذف عاملها، وإبهام فاعلها، فالوجه الأول أظهر ؛ إذْ ليس فيه غير حذف العامل ". ويعني بالوجه الأول أنه قَدَّره : وليعلم الله فعلنا ذلك - وهو المداولة، أو نَيْل الكفار منكم-.
وقال بعضهم :" اللام المتعلقة بفعل مُضْمَر، إما بعده، أو قبلَه، أما الإضمار بعده فبتقدير : وليعلمَ الله الذين آمنوا فعلنا هذه المداولةَ، وأما الإضمار قبلَه فعلى تقدير : وتلك الأيام نداولها بين الناس لأمور : منها : ليعلم الله الذين آمنوا، ومنها : ليتخذ منكم شهداء، ومنها : ليمحص الله الذي آمنوا، ومنها : ليمحق الكافرين. فكل ذلك كالسبب والعِلَّةِ في تلك المداولة ". والعلم هنا - يجوز أن يتعدَّى لواحد، قالوا : لأنه بمعنى : عَرَفَ - وهو مشكل ؛ لأنه لا يجوز وَصْف الله تعالى بذلك لما تقدم أن المعرفة تستدعي جَهْلاً بالشيء - أو أنَّها متعلقة بالذات دون الأحوال.
ويجوز أن يكون متعدياً لاثنين، فالثاني محذوف، تقديره : وليعلم الله الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم.
والواو في قوله :﴿ وَلِيَعْلَمَ الله ﴾ لها نظائر كثيرة في القرآن، كقوله :﴿ وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين ﴾ [ الأنعام : ٧٥ ] وقوله :﴿ ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ الأنعام : ١١٣ ].
قوله :﴿ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ﴾ الظاهر أن " مِنْكُمْ " متعلِّق بالاتخاذ، وجوزوا فيه أن يتعلق بمحذوف، على أنه حال من " شُهَدَاءَ " ؛ لأنه - في الأصل - صفة له. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٥٥٣ ـ ٥٥٩﴾. بتصرف.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)﴾
إن نالكم فينا مشقة فالذين تقدموكم لقوا مثل ما لقيتم، ومُنوا بمثل ما به مُنيتم، فمن صبر منهم ظفر، ومَنْ ضجر مِنْ حَمْلِ ما لقي خَسِر، والأيام نُوَبٌ والحالات دُوَلٌ، ولا يخفى على الحق شيء. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٢٨٠﴾