قوله تعالى :﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٧٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان مما اشترى به الكفر رجوع المنافقين عن أحد الذي كان سبباً للإملاء لهم قال سبحانه وتعالى :﴿ولا يحسبن الذين كفروا﴾ أي بالله ورسوله ﴿إنما نملي﴾ أي أن إملاءنا أي إمهالنا وإطالتنا ﴿لهم خير لأنفسهم﴾ ولما نفى عنهم الخير بهذا النهي تشوفت النفس إلى ما لهم فقال :﴿إنما نملي لهم﴾ أي استدراجاً ﴿ليزدادوا إثماً﴾ وهو جميع ما سبق العلم الأزلي بأنهم يفعلونه، فإذا بلغ النهاية أوجب الأخذ.
ولما كان الرجوع المسفر عن السلامة مظنة لعزهم في هذه الدار الفانية عند من ظن حسن ذلك الرأي ؛ عوضوا عنه الإهانة الدائمة فقال سبحانه وتعالى :﴿ولهم عذاب مهين ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٨٦﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾
عطف على قوله :﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] والمقصود مقابلة الإعلام بخلاف الحسبان في حالتين : إحداهما تلوح للناظر حالة ضرّ، والأخرى تلوح حالة خير، فأعلم الله أن كلتا الحالتين على خلاف ما يتراءى للناظرين.
ويجوز كونه معطوفا على قوله :﴿ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ﴾ [ آل عمران : ١٧٦ ] إذ نهاه عن أن يكون ذلك موجباً لحزنه، لأنهم لا يضرّون الله شيئاً، ثم ألقى إليه خبراً لقصد إبلاغه إلى المشركين وإخوانهم المنافقين : أن لا يحسبوا أن بقاءهم نفع لهم بل هو إملاء لهم يزدادون به آثاماً، ليكون أخذُهم بعد ذلك أشدّ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٢٩٠﴾