قال النحاس : وتابَعَهُ على ذلك [ جماعة ] وهذا لا يُلتفت إليه، لتواترها، وفي هنا تخريجها ستة أوجُهٍ :
أحدها : أن يكون فاعل " تحسبن " ضمير النبي ﷺ و" الذين كفروا " مفعول أول، و" أنما نملي لهم خير " مفعول ثان، ولا بُدَّ - على هذا التخريج - من حَذْفِ مضافٍ، إما من الأول، تقديره : ولا تحسبن شأنَ الذين، وإما من الثَّاني، تقديره : أصحاب أن إملاءنا خير لهم.
وإنما احتجْنَا إلى هذا التأويل ؛ لأن " أنما نملي " بتأويل مصدر، والمصدر معنى من المعاني لا يَصْدُقُ على " الذين كفروا " والمفعول الثاني في هذا البابِ هُوَ الأولُ في المعنى.
الثاني : أن يكون " أنما نملي لهم " بدلاً من " الذين كفروا ". وإلى هذا ذهب الكسائي، والفرّاء، وتبعهما جماعة، منهم الزَّجَّاج والزمخشري، وابنُ الباذش، قال الكسائي والفرّاء : وجه هذه القراءة التكرير والتأكيد، والتقدير : ولا تحسبن الذين كفروا، ولا تحسبن أنما نملي.
قال الفرّاءُ : ومثله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ ﴾ [ الزخرف : ٦٦ ] أي " ما ينظرون إلا أن تأتيهم. انتهى.
ورد بعضهم قولَ الكسائيِّ والفرَاءِ، بأن حَذْفَ المفعولِ الثاني - في هذه الأفعالِ - لا يجوز عند أحد. وهذا الردُّ ليس بشيءٍ ؛ لأن الممنوعَ إنما هو حذف الاقتصارِ - وقد تقدم تحقيق ذلك.
وقال ابنُ الباذش : ويكون المفعول الثاني قد حُذِف ؛ لدلالة الكلامِ عليه، ويكون التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا خَيْريَّةَ إملاءنا لهم ثابتة، أو واقعة.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف صح مَجِيءُ البدلِ، ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصارُ بفعل الحسبانِ على مفعولٍ واحدٍ ؟