ورجَّح بعضُهم " مَيَّز " - بالتشديد - بأنه أكثر استعمالاً، ولذلك لم يستعملوا المصدر إلا منه، قالوا : التمييز، ولم يقولوا : المَيْز - يعني لم يقولوه سماعاً، وإلا فهو جائز قياساً.
قوله :" وَلكِنَّ " هذا استدراكٌ من معنى الكلامِ المتقدمِ ؛ لأنه تعالى - لما قال :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ ﴾ أَوْهَمَ ذلك أنه لا يُطْلِعُ أحداً على غيبه ؛ لعموم الخطابِ - فاستدرك الرُّسُلَ. والمعنى :﴿ وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي ﴾ أي يصطفي ﴿ مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ فَيَطْلِعُهُ على الغيبِ، فهو ضِدٌّ لما قبله في المعنى، وقد تقدم أنها بين ضِدَّيْنِ ونقيضَيْن، وفي الخلافين خلافٌ.
يَجْتَبِي : يصطفي ويختار، من : جَبَوْت المال والماء، وجبيتهما - لغتان - فالياء في يجتبي يُحْتَمَل أن تكون على أصلها، ويُحْتَمل أن تكون منقلبةً عن واوٍ ؛ لانكسارِ ما قبلها.
ومفعول " يَشَاءُ " محذوفٌ، وينبغي أن يقدر ما يليق بالمعنى، والتقدير : يشاءُ إطلاعه على الغيب. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٦ صـ ٧٧ ـ ٨٣﴾. بتصرف.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)﴾
جمعهم اليومَ من حيث الأشخاص والمباني، ولكنه فرَّقهم في الحقائق والمعاني ؛ فَمِنْ طيِّبةٍ سجيته، وزمن خبيئةٍ طِينَتُه. وهم وإن كانوا مشائب ففي بصيرة الخواص هم ممتازون.
﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ ﴾ : فإنَّ أسرار الغيب لا تظهر للمتلوثين بأدناس البشرية، وإن الحق سبحانه مستأثر بعلم ما جلَّ وقلَّ، فيختص من يشاء من أنبيائه بمعرفة بعض أسراره. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٢٩٩ ـ ٣٠٠﴾


الصفحة التالية
Icon