الوجه الثاني : أن المفعول نفس " هُوَ " وهو ضمير البخل الذي دلَّ عليه " يَبْخَلُونَ " - كقوله :﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ] - قاله أبو البقاء. وهو غلطٌ أيضاً، لأنه كان ينبغي أن يأتي به بصيغة المنصوب، فيقول :" إياه " لكونه منصوباً بـ " يَحْسَبَن " ولا ضرورة بنا إلى أن نَدَّعِيَ أنه من باب استعارة الرفع مكان النصب كقولهم : ما أنا كأنت، ولا أنتَ كأنا.
وفي الآية وجهٌ غريبٌ، خرَّجه أبو حيَّان، قال :" وهو أن تكون المسألة من باب الإعمال، إذا جعلنا الفعل مسنداً لِـ " الذِينَ " وذلك أن " يَحْسَبْنَّ " يطلب مفعولين، و" يَبْخَلُونَ " يطلب مفعولاً بحرف جَر فقوله " ما أتاهم " يَطْلبه " يَحْسَبَنَّ " على أن يكون المفعول الأول، ويكون " هُوَ " فَصْلاً، و" خَيْراً " المفعول الثاني، ويطلبه " يَبْخَلونَ " بتوسُّط حرف الجَر، فأعمل الثانيَ - على الفصح في لسان العرب، وعلى ما جاء في القرآن - وهو " يَبْخَلونَ " فعدي بحرف الجر، وأخذ معمواه، وحذف معمول " يَحْسَبَنَّ " الأول، وبقي معموله الثاني ؛ لأنه لم يتنازع فيه، إنما جاء التنازع بالنسبة إلى المفعول الأولِ، وساغ حذفه - وحده - كما ساغ حذف المفعولين في مسألة سيبويه : متى رأيت أو قلت : زيد منطلقٌ ؟ لأن رأيت وقلت - في هذه المسألة - تنازعا في زيدٌ منطلقٌ، وفي الآية لم يتنازعا إلاَ في الأولِ، وتقدير المعنى : ولا يحسبن ما آتاهم اللهُ من فَضْلِه هو خيراً لهم الناس الذين يبخلون به، فَعَلَى هذا التقدير يكون " هُوَ " فصلاً لـ " ما آتاهم " المحذوف، لا لبخلهم المقدَّر في قول الجماعة.


الصفحة التالية
Icon