وأما المنطق الآخر وهو منطق الإسلام فهو يبنى أساسه على اتباع الحق وابتغاء الأجر والجزاء من الله سبحانه وإنما يتعلق الغرض بالغايات والمقاصد الدنيوية في المرتبة التالية وبالقصد الثاني ومن المعلوم أنه لا يشذ عن شموله مورد من الموارد ولا يسقط كليته من العموم والاطراد فالعمل أعم من الفعل والترك إنما يقع لوجهه تعالى وإسلاما له واتباعا للحق الذي أراده وهو الحفيظ العليم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا عاصم منه ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء والله بما تعملون خبير.
فعلى كل نفس فيما وردت مورد عمل أو صدرت رقيب شهيد قائم بما كسبت سواء شهده الناس أو لا حمدوه أو لا قدروا فيه على شئ أو لا.
وقد بلغ من حسن تأثير التربية الإسلامية أن الناس كانوا يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيعترفون عنده بجرائمهم وجناياتهم بالتوبة ويذوقون مر الحدود التي تقام عليهم القتل فما دونه ابتغاء رضوان الله وتطهيرا لأنفسهم من قذارة الذنوب ودرن السيئات وبالتأمل في هذه النوادر الواقعة يمكن للباحث أن ينتقل إلى عجيب تأثير البيان الدينى في نفوس الناس وتعويده لهم السماحة في ألذ الأشياء وأعزها عندهم وهي الحياة وما في تلوها ولو لا أن البحث قرآني لاوردنا طرفا من الامثلة التاريخية فيه.
٨ ما معنى ابتغاء الأجر عند الله والاعراض عن غيره ربما يتوهم المتوهم أن جعل الأجر الاخروي وهو الغرض العام في حياة الإنسان الاجتماعية يوجب سقوط الاغراض الحيوية التي تدعو إليه البنية الطبيعية الإنسانية وفيه فساد نظام الاجتماع والأنحطاط إلى منحط الرهبانية وكيف يمكن الأنقطاع إلى مقصد من المقاصد مع التحفظ على المقاصد المهمة الاخرى وهل هذا إلا تناقض.