ومن أعظمها أن هذه المجتمعات لما بنيت على أساس التمتع المادى نفخت في قالبها روح الاستخدام والاستثمار وهو الاستكبار الإنساني الذى يجعل كل شئ تحت إرادة الإنسان وعمله حتى الإنسان بالنسبة إلى الإنسان ويبيح له طريق الوصول إليه والتسلط على ما يهواه ويأمله منه لنفسه وهذا بعينه هو الاستبداد الملوكى في الأعصار السالفة وقد ظهرت في زى الاجتماع المدنى على ما هو نصب أعيننا اليوم من مظالم الملل القوية وإجحافاتهم وتحكماتهم بالنسبة إلى الأمم الضعيفة وعلى ما هو في ذكرنا من أعمالهم المضبوطة في التواريخ.
فقد كان الواحد من الفراعنة والقياصرة والأكاسرة يجرى في ضعفاء عهده بتحكمه ولعبه كل ما يريده ويهواه ويعتذر لو اعتذر أن ذلك من شؤون السلطنة ولصلاح المملكة وتحكيم أساس الدولة ويعتقد أن ذلك حق نبوغه وسيادته ويستدل عليه بسيفه كذلك إذا تعمقت في المرابطات السياسية الدائرة بين أقوياء
الأمم وضعفائهم اليوم وجدت أن التاريخ وحوادثه كرت علينا ولن تزال تكر غير أنها ابدلت الشكل السابق الفردى بالشكل الحاضر الاجتماعي والروح هي الروح والهوى هو الهوى وأما الإسلام فطريقته بريئة من هذه الاهواء ودليله السيرة النبوية في فتوحاته وعهوده.


الصفحة التالية
Icon