فماذا نحن واجدون - في هذه السورة - من ملامح المجتمع الجاهلي التي ظلت راسبة في الجماعة المسلمة، منذ أن التقطها المنهج الرباني من سفح الجاهلية ؟ وماذا نحن واجدون من الملامح الجديدة التي يراد إنشاؤها في المجتمع الإسلامي الجديد وتثبيتها !
إننا نجد مجتمع تؤكل فيه حقوق الأيتام - وبخاصة اليتيمات - في حجور الأهل والأولياء والأوصياء، ويستبدل الخبيث منها بالطيب، ويعمل فيها بالإسراف والطمع، خيفة أن يكبر اليتامى فيستردوها ! وتحبس فيه الصغيرات من ذوات المال، ليتخذهن الأولياء زوجات، طمعا في مالهم لا رغبة فيهن ! أو يعطين لأطفال الأولياء للغرض ذاته !
ونجد مجتمعا يجار فيه على الصغار والضعاف والنساء ; فلا يسلم لهم فيه بنصيبهم الحقيقي من الميراث. إنما يستأثر فيه بمعظم التركة الرجال الأقوياء، القادرون على حمل السلاح ; ولا ينال الضعاف فيه إلا الفتات. وهذا الفتات الذي تناله اليتيمات الصغيرات والنسوة الكبيرات، هو الذي يحتجزن من أجله، ويحبسن علىالأطفال من الذكور ; أو على الشيوخ من الأولياء. كي لا يخرج المال بعيدا ولا يذهب في الغرباء !
ونجد مجتمعا يضع المرأة موضعا غير كريم، ويعاملها بالعسف والجور. في كل أدوار حياتها. يحرمها الميراث - كما قلنا - أو يحبسها لما ينالها منه ; ويورثها للرجل كما يورثه المتاع ! فإذا مات زوجها جاء وليه، فألقى عليها ثوبه، فيعرف أنها محجوزة له. إن شاء نكحها بغير مهر، وإن شاء زوجها وأخذ مهرها ! ويعضلها زوجها إذا طلقها، فيدعها لا هي زوجة، ولا هي مطلقة، حتى تفتدي نفسها منه وتفك أسرها !


الصفحة التالية
Icon