فصل


قال الفخر :
إنه تعالى قال أولا :﴿اتقوا رَبَّكُمُ﴾ ثم قال بعده :﴿واتقوا الله﴾ وفي هذا التكرير وجوه :
الأول : تأكيد الأمر والحث عليه كقولك للرجل : اعجل اعجل فيكون أبلغ من قولك : اعجل الثاني : أنه أمر بالتقوى في الأول لمكان الإنعام بالخلق وغيره، وفي الثاني أمر بالتقوى لمكان وقوع التساؤل به فيما يلتمس البعض من البعض.
الثالث : قال أولا :﴿اتقوا رَبَّكُمُ﴾ وقال ثانيا :﴿واتقوا الله﴾ والرب لفظ يدل على التربية والإحسان، والاله لفظ يدل على القهر والهيبة، فأمرهم بالتقوى بناء على الترغيب، ثم أعاد الأمر به بناء على الترهيب كما قال :﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ [ السجدة : ١٦ ] وقال :﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾ [ الأنبياء : ٩٠ ] كأنه قيل : إنه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته لأنه شديد العقاب عظيم السطوة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٣٤﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن التساؤل بالله وبالأرحام قيل هو مثل أن يقال : بالله أسألك، وبالله أشفع إليك، وبالله أحلف عليك، إلى غير ذلك مما يؤكد المرء به مراده بمسألة الغير، ويستعطف ذلك الغير في التماس حقه منه أو نواله ومعونته ونصرته، وأما قراءة حمزة فهي ظاهرة من حيث المعنى، والتقدير : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، لأن العادة جرت في العرب بأن أحدهم قد يستعطف غيره بالرحم فيقول : أسألك بالله والرحم، وربما أفرد ذلك فقال : أسألك بالرحم، وكان يكتب المشركون إلى رسول الله ﷺ : نناشدك الله والرحم أن لا تبعث إلينا فلانا وفلانا، وأما القراءة بالنصب فالمعنى يرجع إلى ذلك، والتقدير : واتقوا الله واتقوا الأرحام، قال القاضي : وهذا أحد ما يدل على أنه قد يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة، لأن معنى تقوى الله مخالف لمعنى تقوى الأرحام، فتقوى الله إنما يكون بالتزام طاعته واجتناب معاصيه، واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع فيما يتصل بالبر والإفضال والاحسان، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى لعله تكلم بهذه اللفظة مرتين، وعلى هذا التقدير يزول الإشكال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٣٤ ـ ١٣٥﴾


الصفحة التالية
Icon