وقال الجريري : أمرنا هذا مبني على فصلين : أن تلزم نفسك المراقبة لله وأن يكون العلم على ظاهرك قائما
وقال إبراهيم الخواص : المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل وقيل : أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريق : المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم
وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري : إذا جلست للناس فكن واعظا لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك
وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر : سبب لحفظها في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره : حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها : حصلت له المراقبة والله أعلم

فصل قال صاحب المنازل : المراقبة : دوام ملاحظة المقصود وهي على ثلاث


درجات الدرجة الأولى : مراقبة الحق تعالى في السير إليه على الدوام بين تعظيم مذهل ومداناة حاملة وسرور باعث فقوله : دوام ملاحظة المقصود أي دوام حضور القلب معه وقوله بين تعظيم مذهل فهو امتلاء القلب من عظمة الله عز وجل
بحيث يذهله ذلك عن تعظيم غيره وعن الالتفات إليه فلا ينسى هذا التعظيم عند حضور قلبه مع الله بل يستصحبه دائما فإن الحضور مع الله يوجب أنسا ومحبة إن لم يقارنهما تعظيم أورثاه خروجا عن حدود العبودية ورعونة فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب : فهو سببا للبعد عنه والسقوط من عينه فقد تضمن كلامه خمسة أمور : سير إلى الله واستدامة هذا السير وحضور القلب معه وتعظيمه والذهول بعظمته عن غيره
وأما قوله : ومداناة حاملة يريد دنوا وقربا حاملا على هذه الأمور الخمسة وهذا الدنو يحمله على التعظيم الذي يذهله عن نفسه وعن غيره فإنه كلما ازداد قربا من الحق ازداد له تعظيما وذهولا عن سواه وبعدا عن الخلق


الصفحة التالية
Icon