أما السماوات والأرض فليست كذلك أعنى أنها لا ترتبط بموجود حادث توجد بوجوده وتعدم بعدمه وإن قلنا بتقدم مادة حسبما ورد فى القرآن فى قوله تعالى:"ثم استوى إلى السماء وهى دخان" فى الخبر المذكور فى خلقها وقال تعالى:"وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا"، وقال تعالى:"وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون"، وفى هذه الآية والمتصلة بها قبلها شوب تصيير لتقارب المعنى فى التصيير وما يكون عن المادة فقد لاح الفرق بين خلق وجعل ووجه تخصيص كل آية مما تقدم بالوارد فيها. وأما ورود جعل فى آية الأعراف فى قوله تعالى:"وجعل منها زوجها" فلما قصد هنا من معنى السكن وكأنه أريد نفى المغايرة تقريبا وتأنيسا لحصول الركون والسكن الذى جعله الله من آياته ونعمه لتستحكم سببية التناسل والتكثير فكانت جعل أوقع فى هذا الغرض ثم إن الخبر وارد بخلق حواء من ضلع آدم فهذا نحو من المتقدم فى سورة الأنعام وعبر فى سورة النساء بخلق لمقصود الآية من التعريف بالأولية والابتداء ولمناسبة ما اتصل بها من قوله"خلقكم" حتى يوافقه من اللفظ ما قصد من المعنى.
وأما الجواب عن السؤال الثالث وهو زيادة"ثم" فى سورة الزمر فلما قصد من الامتنان والإنعام على الجنس الآدمى ولتفاوت ما بين الآيتين العجيبتين من خلق الصنف الإنسانى من شخص واحد وخلق زوجه فجئ بثم المنبهة على معنى الاعتناء بذكر ما عطف بها والتأكيد لشأنه للمزية على المعطوف عليه القائمة مقام التراخى فى الزمان.