قلت :" لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله - تعالى - من الحلال، وهم من ذلك يَطْعمون منها، كان القبحُ أبلغ والذمُّ ألحق، ولأنهم كنوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم، وَنَّعَ بهم ليكون زجر لهم ".
واعلم أنه تعالى، وَإن ذكر الأكل، فالمرادُ به سائر التصرفات المملكة للمال، وإنما ذكر الأكل لأنه معظم ما يقع التصرف لأجله.
قوله :﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوباً ﴾ في الهاء ثلاثة أوجه :
حده : أنها تعود على الأكل المفهوم، من " لا تأكلوا ".
الثَّاني : على التبدُّلِ المفهوم من " لا تَتَبَدَّلُوا الخبيث ".
الثالث : عليهما ذهاباً به مذهب اسم الإشارة نحو :﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ] ومنه :[ الرجز ]
كأَنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ... وقد تقدم ذلك في البقرة، والأول أولى لأنه أقرب مذكور.
وقرأ الجمهور " حُوبً " بضم الحاءِ، ولحسن بفتحها، وبعضهم :" حَباً " بالألف، وهي لغت في المصدر، والفتح لغة تميم.
ونظير الحوْب والحاب، والقول والقال، والطُّرد والطَّرْد - وهو لإثم - وقيل : المضموم اسم مصدر، [ والمفتوح مصدر ] وصله من حوب الأبل، وهو زجرها فسُمِّي به لإثم ؛ لأنه يزجر به، ويطلق على الذَّنب أيضاً ؛ لأنه يزجر عنه، ومنه قول عليه السلام :" إنَّ طَلاقَ أمِّ أيُّوبَ لَحُوبْ " أي : لذنب عظيم. وقل القرطبي : والحوبُ الوحشة، ومنه قوله عليه السَّلام أبي أيوب " إن طلاق أم أيوب لحوب ".
قال القفال : وكأن أصل لكلمةِ من لتَّحوُّبِ وهو التَّوجُّعُ، فالحوبُ هو ارتكاب ما يتوجَّعُ لمرتكبُ منه، يقال : حَابَ يَحُوب، حَوْباً، وحَاباً وحِيابة.
قال المخبل السعدي :[ الطويل ]
فلا يَدْخُلَنَّ الدَّهْرَ قَبْرَكَ حُوبُ... فَإنَّكَ تَلْقَاهُ عَلَيْكَ حَسِيبُ
وقال آخر [ الوافر ]