وهذان الوصفان يجوز كونهما ترشيحاً لاستعارة ﴿ كلوه ﴾ بمعنى خذوه أخذ ملك، ويجوز كونهما مستعملين في انتفاء التبعة عن الأزواج في أخذ ما طابت لهم به نفوس أزواجهم، أي حلالاً مباحاً، أو حلالاً لا غرم فيه.
وإنّما قال :﴿ عن شيء منه ﴾ فجيء بحرف التبعيض إشارة إلى أن الشأن أنّ لا يَعرى العقد عن الصداق، فلا تسقطه كلّه إلاّ ؛ أنّ الفقهاء لمّا تأوّلوا ظاهر الآية من التبعيض، وجعلوا هبة جميع الصداق كهبته كلّه أخذاً بأصل العطايا، لأنّها لمّا قبضته فقد تقرّر ملكها إيّاه، ولم يأخذ علماء المالكية في هذا بالتهمة لأنّ مبنى النكاح على المكارمة، وإلاّ فإنّهم قالوا في مسائل البيع : إنّ الخارج من اليد ثم الراجع إليها يعتبر كأنّه لم يخرج، وهذا عندنا في المالكات أمر أنفسهنّ دون المحجورات تخصيصاً للآية بغيرها من أدلّة الحجر فإنّ الصغيرات غير داخلات هنا بالإجماع.
فدخل التخصيص للآية.
وقال جمهور الفقهاء : ذلك للثيّب والبكر، تمسّكاً بالعموم.
وهو ضعيف في حمل الآدلّة بعضها على بعض.
واختلف الفقهاء في رجوع المرأة في هبتها بعضَ صداقها : فقال الجمهور : لا رجوع لها، وقال شريح، وعبد الملك بن مروان : لها الرجوع، لأنّها لو طابت نفسها لما رجعت.
ورووا أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى قضاته "إنّ النساء يعطين رغبة ورهبة فأيّما امرأة أعطته، ثمّ أرادت أن ترجع فذلك لها" وهذا يظهر إذا كان ما بين العطيّة وبين الرجوع قريباً، وحدث من معاملة الزوج بعد العطيّة خلاف ما يؤذن حسن المعاشرة السابق للعطيّة.
وحكم هذه الآية ممّا أشار إليه قوله تعالى :﴿ وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ﴾ [ النساء : ١ ].
أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٣ ـ ٢٥﴾