فإن معناه لا تسافر سفراً ثلاثة أيام فما فوقها، وإلى ذلك ذهب من قال : إن أقل الجمع اثنان، واعترض على ابن عباس رضي الله تعالى عنه بأنه لو استفيد من قوله سبحانه ﴿ فَوْقَ اثنتين ﴾ أن حال الاثنتين ليس حال الجماعة بناءاً على مفهوم الصفة فهو معارض بأنه يستفاد من واحدة أن حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم العدد وقد قيل به، وأجيب بالفرق بينهما فإن النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكد به صار محكماً في التخصيص بخلاف ﴿ وَإِن كَانَتْ واحدة ﴾ وأورد عليه بأن هذا إنما يتم على تقدير كون الظرف صفة مؤكدة لا خبراً بعد خبر، وأجيب بأن قوله سبحانه :﴿ نِسَاء ﴾ ظاهر في كونها فوق اثنتين فعدم الاكتفاء به والإتيان بخبر بعده يدل دلالة صريحة على أن الحكم مقيد به لا يتجاوزه، وأيضاً مما ينصر الحبر أن الدليلين لما تعارضا دار أمر البنتين بين الثلثين والنصف، والمتيقن هو النصف، والزائد مشكوك غير ثابت، فتعين المصير إليه، ولا يخفى أن الحديث الصحيح الذي سلف يهدم أمر التمسك بمثل هذه العرى، ولعله لم يبلغه رضي الله تعالى عنه ذلك كما قيل فقال ما قال، وفي "شرح الينبوع" نقلاً عن الشريف شمس الدين الأرموني أنه قال في "شرح فرائض الوسيط" : صح رجوع ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن ذلك فصار إجماعاً ؛ وعليه فيحتمل أنه بلغه الحديث، أو أنه أمعن النظر في الآية ففهم منها ما عليه الجمهور فرجع إلى وفاقهم.
وحكاية النظام عنه رضي الله تعالى عنه في كتاب "النكت" أنه قال : للبنتين نصف وقيراط لأن للواحدة النصف ولما فوق الاثنتين الثلثين فينبغي أن يكون للبنتين ما بينهما مما لا تكاد تصح فافهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٤ صـ ٢٢١ ـ ٢٢٣﴾
لطيفة
قال ابن الجوزى :
قال القاضي أبو يعلى : إنما نص على ما فوق الاثنتين، والواحدة، ولم ينص على الاثنتين، لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث، كان لها مع الأنثى الثلث أولى. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ٢٦﴾