وهذا كما تقول لرجلين : هذا المال بينكما، ثم تقول لأحدهما : أنت يا فلان لك منه ثلث ؛ فإنك حدّدت للآخر منه الثلثين بنصّ كلامك ؛ ولأن قوّة الكلام في قوله ﴿ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ﴾ يدل على أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره، وليس في هذا اختلاف.
قلت : وعلى هذا يكون الثلثان فرضاً للأب مسمًّى لا يكون عصبة، وذكر ابن العربيّ أن المعنى في تفضيل الأب بالثلث عند عدم الولد الذكورية والنصرة، ووجوب المؤنة عليه، وثبتت الأُم على سهم لأجل القرابة.
قلت : وهذا منتقَض ؛ فإن ذلك موجود مع حياته فَلِم حُرِم السدس.
والذي يظهر أنه إنما حُرم السدسَ في حياته إرفاقاً بالصبيّ وحِياطة على ماله ؛ إذْ قد يكون إخراج جزء من ماله إجحافاً به.
أو أن ذلك تعبُّدٌ، وهو أوْلى ما يقال. والله الموفق. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٧١﴾.
قوله تعالى ﴿فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمّهِ الثلث ﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن هذا هو الحالة الثانية من أحوال الأبوين، وهو أن لا يحصل معهما أحد من الأولاد، ولا يكون هناك وارث سواهما، وهو المراد من قوله :﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾ فههنا للأم الثلث، وذلك فرض لها، والباقي للأب، وذلك لأن قوله :﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾ ظاهره مشعر بأنه لا وارث له سواهما، وإذا كان كذلك كان مجموع المال لهما، فإذا كان نصيب الأم هو الثلث وجب أن يكون الباقي وهو الثلثان للأب، فههنا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين كما في حق الأولاد، ويتفرع على ما ذكرنا فرعان : الأول : أن الآية السابقة دلت على أن فرض الاب هو السدس، وفي هذه الصورة يأخذ الثلثين إلا أنه ههنا يأخذ السدس بالفريضة، والنصف بالتعصيب.


الصفحة التالية
Icon