الثاني : قال الكلبي : نحلة أي عطية وهبة، يقال : نحلت فلانا شيئاً أنحله نحلة ونحلا، قال القفال : وأصله إضافة الشيء إلى غير من هوله، يقال : هذا شعر منحول، أي مضاف إلى غير قائله، وانتحلت كذا إذا ادعيته وأضفته إلى نفسك، وعلى هذا القول فالمهر عطية ممن ؟ فيه احتمالان : أحدهما : أنه عطية من الزوج، وذلك لأن الزوج لا يملك بدله شيئاً لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله، فالزوج أعطاها المهر ولم يأخذ منها عوضا يملكه، فكان في معنى النحلة التي ليس بازائها بدل، وإنما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك، وقال آخرون إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركا بين الزوجين، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر فكان ذلك عطية من الله ابتداء.
والقول الثالث : في تفسير النحلة قال أبو عبيدة : معنى قوله ﴿نِحْلَةً﴾ أي عن طيب نفس، وذلك لأن النحلة في اللغة العطية من غير أخذ عوض، كما ينحل الرجل لولده شيئاً من ماله، وما أعطى من غير طلب عوض لا يكون إلا عن طيب النفس، فأمر الله باعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن ولا مخاصمة، لأن ما يؤخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ١٤٧﴾
فصل
قال القرطبى :
هذه الآية تدلّ على وجوب الصداق للمرأة، وهو مُجَمعٌ عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض ( أهل العلم ) من أهل العراق أن السيّد إذا زوّج عبده من أَمَته أنه لا يجب فيه صداق ؛ وليس بشيء ؛ لقوله تعالى :﴿ وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ فعمّ.