بِإِخْرَاجِهِمْ إذَا تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ ؛ إذْ كَانُوا مَنْهِيِّينَ عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ :﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ عَامًّا فِي سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ إلَّا فِيمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا إلَّا لِمَنْ قَاتَلَهُمْ، فَإِنَّهُ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حِينَئِذٍ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ فِيمَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ١ صـ ٣٢٢﴾
وقال الشيخ ابن عاشور :
الجملة معطوفة على جملة ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ التي أفادت الأمر بتتبع المقاتلين بالتقتيل حيثما حَلُّوا سواء كانوا مشتبكين بقتال المسلمين أم كانوا في حالة تنقل أو تطلع أو نحو ذلك لأن أحوال المحارب لا تنضبط وليست في الوقت سعة للنظر في نواياه والتوسم في أغراضه، إذ قد يبادره إلى اغتيال عدوه في حال تردده وتفكره، فخص المكان الذي عند المسجد الحرام من عموم الأمكنة التي شملها قوله :﴿حيث ثقفتموهم﴾ أي إن ثقفتموهم عند المسجد الحرام غير مشتبكين في قتال معكم فلا تقتلوهم، والمقصد من هذا حفظ حرمة المسجد الحرام التي جعلها الله له بقوله :﴿مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامناً﴾ [آل عمران : ٩٧]، فاقتضت الآية منع المسلمين من قتال المشركين عند المسجد الحرام، وتدل على منعهم من أن يقتلوا أحداً من المشركين دون قتال عند المسجد الحرام بدلالة لحن الخطاب أو فحوى الخطاب.