والذي أوجب جواز ذلك أنه لو قال له : اضرب لي هذه وقاطعه على ذلك بأُجرة، فلما ضربها قبضها منه وأعطاه أُجرتها ؛ فالذي فعل مالك أوّلاً هو الذي يكون آخراً، ومالك إنما نظر إلى المال فركّب عليه حكم الحال، وأباه سائر الفقهاء.
قال ابن العربيّ : والحجة فيه لمالك بيِّنة.
قال أبو عمر رحمه الله : وهذا هو عين الرِّبا الذي حرّمه رسول الله ﷺ بقوله :" من زاد أو ازداد فقد أرْبَى " وقد ردّ ابن وهب هذه المسألة على مالك وأنكرها.
وزعم الأَبْهَرِيّ أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق، وليس الربا إلا على من أراد أن يُرْبِي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه.
ونسي الأبهرِيّ أصله في قطع الذرائع، وقوله فيمن باع ثوباً بنسِيئة وهو لا نيّة له في شرائه ثم يجده في السوق يباع : إنه لا يجوز له ابتياعه منه بدون ما باعه به وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتغه ؛ ومثله كثير، ولو لم يكن الربا إلا على مَن قصده ما حُرّم إلا على الفقهاء.
وقد قال عمر : لا يتّجر في سوقنا إلا من فَقُه وإلاّ أكل الربا.
وهذا بيّن لمن رُزق الإنصاف وألْهِم رشده.
قلت : وقد بالغ مالك رحمه الله في منع الزيادة حتى جعل المتوهَّم كالمتحقق، فمنع ديناراً ودرهماً بدينار ودرهم سَدّاً للذَّريعة وحَسْماً للتَوهُّمات ؛ إذ لولا توهَّم الزيادة لما تبادلا.
وقد عُلّل منع ذلك بتعذر المماثلة عند التوزيع ؛ فإنه يلزم منه ذهب وفضة بذهب.
وأوضح من هذا منعه التفاضل المعنويّ، وذلك أنه منع ديناراً من الذهب العالي وديناراً من الذهب الدّون في مقابلة العالي وألغى الدون، وهذا من دقيق نظره رحمه الله ؛ فدل أن تلك الرواية عنه مُنْكَرة ولا تصح.
والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٤٨ ـ ٣٥١﴾

فصل نفيس


قال القرطبى :


الصفحة التالية
Icon