قال في تفسير المنار : وأما قيام آكل الربا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فقد قال ابن عطية في تفسيره : المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يصرع بحركات مختلفة : قد جن.
أقول : وهذا هو المتبادر ولكن ذهب الجمهور إلى خلافه وقالوا : إن المراد بالقيام القيام من القبر عند البعث، وأن الله تعالى جعل من علامة المرابين يوم القيامة أنهم يبعثون كالمصروعين، ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود بل روى الطبراني
من حديث عوف بن مالك مرفوعا " إياك والذنوب التي لا تغفر : الغلول فمن غل شيئا أتي به يوم القيامة، والربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط.
ثم قال : والمتبادر إلى جميع الأفهام ما قاله ابن عطية لأنه إذا ذكر القيام انصرف إلى النهوض المعهود في الأعمال، ولا قرينة تدل على أن المراد به البعث، وهذه الروايات لا يسلم منها شئ من قول في سنده، وهي لم تنزل مع القرآن، ولا جاء المرفوع منها مفسرا للآية، ولولاها لما قال أحد بغير المتبادر الذي قال به ابن عطية إلا من لم يظهر له صحته في الواقع.
ثم قال : وكان الوضاعون الذين يختلقون الروايات يتحرون في بعضها ما أشكل عليهم ظاهره من القرآن فيضعون لهم رواية يفسرونه بها، وقلما يصح في التفسير شئ، انتهى ما ذكره.
ولقد أصاب فيما ذكره من خطئهم لكنه أخطأ في تقرير معنى التشبيه الواقع في الآية حيث قال : أما ما قاله ابن عطية فهو ظاهر في نفسه فإن أولئك الذين فتنهم المال واستعبدهم حتى ضربت نفوسهم بجمعه، وجعلوه مقصودا لذاته، وتركوا لأجل الكسب به جميع موارد الكسب الطبيعي تخرج نفوسهم عن الاعتدال الذي عليه أكثر الناس، ويظهر ذلك في حركاتهم وتقلبهم في أعمالهم كما تراه في حركات المولعين بأعمال البورصة والمغرمين بالقمار، يزيد فيهم النشاط والانهماك في أعمالهم، حتى يكون خفة تعقبها حركات غير منتظمة.