وأما مؤخرة الآية فقوله ﴿وَمَنْ عَادَ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ ومعناه : عاد إلى الكلام المتقدم، وهو استحلال الربا ﴿فأمره إِلَى الله﴾ ثم هذا الإنسان إما أن يقال : إنه كما انتهى عن استحلال الربا انتهى أيضاً عن أكل الربا، أو ليس كذلك، فإن كان الأول كان هذا الشخص مقراً بدين الله عالماً بتكليف الله، فحينئذ يستحق المدح والتعظيم والإكرام، لكن قوله ﴿فأمره إِلَى الله﴾ ليس كذلك لأنه يفيد أنه تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فثبت أن هذه الآية لا تليق بالكافر ولا بالمؤمن المطيع، فلم يبق إلا أن يكون مختصاً بمن أقر بحرمة الربا ثم أكل الربا فههنا أمره لله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وهو كقوله ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ فيكون ذلك دليلاً ظاهراً على صحة قولنا أن العفو من الله مرجو. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٨٢﴾
فائدة
قال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى :﴿فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ الآية.
معنى هذه الآية الكريمة أن من جاءه موعظة من ربه يزجره بها عن أكل الربا فانتهى أي : ترك المعاملة بالربا. خوفاً من الله تعالى وامتثالاً لأمره ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] أي : ما مضى قبل نزول التحريم من أموال الربا ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الله لا يؤاخذ الإنسان بفعل أمر إلا بعد أن يحرمه عليه، وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة فقد قال في الذين كانوا يشربون الخمر، ويأكلون مال الميسر قبل نزول التحريم :﴿لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا﴾ [ المائدة : ٩٣ ] الآية.