وإنما حرمت المخابرة وهي : المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي : اشتراء الرطب في رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي : اشتراء الحب في سنبله في الحقل بالحب على وجه الأرض -إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها، حسمًا لمادة الربا ؛ لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف. ولهذا قال الفقهاء : الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا، والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم، وقد قال تعالى :﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف : ٧٦].
وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه : ثلاث وددت أن رسول الله ﷺ عهد إلينا فيهن عهدًا ننتهي إليه : الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. ﴿رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٥٨٨) ومسلم في صحيحه برقم (٣٠٣٢)﴾، يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله ؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وقد ثبت في الصحيحين، عن النعمان بن بشير، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :
"إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ". ﴿صحيح البخاري برقم (٥٢) وصحيح مسلم برقم (١٥٩٩)﴾.
وفي السنن عن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ﴿سنن الترمذي برقم (٢٥١٨) وسنن النسائي (٨/٣٢٧) وقد أطنب في الكلام عليه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (١/٢٧٨) ط. الرسالة﴾.