إن قوله :" أعوذ بالله " اعتراف بعجز النفس وبقدرة الرب وهذا يدل على أنه لا وسيلة إلى القرب من حضرة الله إلا بالعجز والانكسار.
ومنها : الشيطان عدو الإنسان كما قال تعالي :" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً " ﴿ فاطر : ٦ ﴾ والرحمن مولى الإنسان و خالقه ومصلح مهماته ثم إن الإنسان عند شروعه في الطاعات والعبادات خاف العدو فاجتهد في أن يتحرى مرضاة الله مالكه ليخلصه من زحمة ذلك العدو وأقبل بالكلية على خدمة الحبيب، فالمقام الأول هو الفرار وهو قوله :" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } والمقام الثاني وهو الاستقرار في حضرة الملك الجبار فهو قوله :" بسم الله الرحمن الرحيم "
ومنها : قال : أرباب الإشارات : لك عدوان أحدهما ظاهر والآخر باطن وأنت مأمور بمحاربتهما قال تعالي في العدو الظاهر :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و اليوم الآخر " ﴿ التوبة : ٢٩ ﴾ وقال في العدو الباطن :" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً " ﴿ فاطر : ٦ ﴾ فكأنه تعالى قال : إذا حاربت عدوك الظاهر كان مددك الملك ﴿ بفتح اللام ﴾ كما قال تعالى " يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ﴿ آل عمران : ١٢٥ ﴾.
وإذا حاربت عدوك الباطن كان مددك الملك ﴿ بكسر اللام ﴾ كما قال تعالي " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ﴿ الحجر : ٤٢ ﴾ وأيضاً فمحاربة العدو الباطن أولى من محاربة العدو الظاهر لأن العدو الظاهر إن وجد فرصة ففي متاع الدنيا والعدو الباطن إن وجد فرصة ففي الدين و اليقين وأيضاً العدو الظاهر إن غلبنا كنا مأجورين أما العدو الباطن إن غلبنا كنا مفتونين وأيضا من قتله العدو الظاهر كان شهيداً ومن قتله العدو الباطن كان طريداً فكان الاحتراز من العدو الباطن أولى و ذلك لا يكون إلا بأن يقول الرجل بقلبه ولسانه " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
(١/٤٣)


الصفحة التالية
Icon