تورع العلماء في الفتوى
وكان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يأتيه المستفتي في هذا المسجد فيقول: سل المفتي الرسمي، فإن هناك مفتياً نصبه ولي الأمر وهو مسئول عن ذلك، أو يقول: سل غيري، فأقول له: إذا لم تفتِه أنت فمن الذي يفتيه؟ إنك تقصد للفتوى في مسجد رسول الله.
فيقول: إذا كنت في عافية من ذلك فما الذي يلزمني؟ وهل أضمن أن أصيب ولا أخطئ؟! وهل أعلم أن سؤاله له دليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله فأجيبه، وكيف أجتهد؟ وهل أضمن في اجتهادي الصواب؟ وجاءه إنسان وألح عليه، وقال: يا شيخ! جئتك أمس فرددتني وطوّفت المسجد فلم أجد من يفتيني، فماذا أصنع؟ قال: سل هذا.
وأشار إلي، وقال: هذا قاض في المحكمة، فسله يفتيك، فقلت: يا شيخ إذا امتنعت أنت عن الفتوى كيف أفتيه أنا؟ قال: لا علي، فقلت: اجلس، أنا سأفتيك والشيخ يسمع، فإن كان صواباً أقره، وإن كان خطأً فلا يحق له السكوت عليه، ثم أفتيته، فقال الرجل: ماذا تقول يا شيخ في ذلك؟ قال: قد أفتاك القاضي.
قال: أريدك أنت.
قال: خيراً والحمد لله.
ويذكر العلماء أن الرجل كان في عهد التابعين يسأل فيُحال من عالم إلى عالم -وحسبك بعلماء التابعين- حتى تنتهي به الإحالة إلى الأول، وكلهم كان يفر من الفتوى، ويقولون: أجرأ الناس على الفتوى أجرؤهم على النار.
فنحن نُحذِّر إخواننا وأبناءنا من أن يتسرعوا إلى منصب الفتوى قبل أن يستحقوا ذلك حقاً، وكان مالك رحمه الله يقول: ما جلست للفتوى والدرس إلا بعد أن شهد لي سبعون عالماً في مسجد رسول الله.