آداب الأمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: ١]، أي: لما تقولون ولما تتقدمون به، عليم بما تفعلون وعليم بما تقدمتم به، والله تعالى أعلم.
تأتي الآية الكريمة بعدها بأدب آخر في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نبهنا سابقاً على أن السورة في مجملها سورة الآداب آداب مع الله آداب مع رسول الله آداب مع نبي الله آداب في حضرته آداب في غيبته آداب معه كربِّ أسرة في حجراته ثم بعد ذلك آداب مع الجماعة الإسلامية، وطوائف المسلمين، ثم آداب الأفراد في حد ذاتهم على ما سيأتي بيانه إن شاء الله؛ فالآية الأولى في بيان الآداب مع الله ورسوله من حيث التشريع والاتباع.
النداء الثاني في الآية الثانية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢].
في الآية الأولى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١]، فوصفه ﷺ بالرسالة، وفي الآية الثانية وصفه بالنبوة: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢].
والحكمة أنه في الموقف الأول عُطِف الرسول على الله سبحانه وتعالى في مجال التشريع وهو منهل واحد، لأنه لا ينطق عن الهوى وإنما يأخذ عن الله، وهذا بجانب الرسالة؛ لأنه يأتي برسالة للأمة، أما الموقف الثاني فهو النبوة، وهو تكريم لشخصه ﷺ بصفته نبياً بأدبين كريمين: الأول: النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي حتى ولو كان بقراءة القرآن في مجلسه، أو بندائه ودعائه، بل يغض الصوت فلا يرفع صوته على صوت النبي، فلو كان يتحدث بينهم لا يكون صوت أحدهم أرفع من صوت رسول الله، وهذا غاية في الأدب؛ لأن من يرفع صوته عند غيره لا يكون مؤدياً كل واجبات الأدب بل يكون مخلاً بالأدب والاحترام، ونحن نعلم أو نرى المجالس ذات المستويات العالية فلا نجد إنساناً مهما كانت مكانته يرفع صوته على كبير المجلس، وهكذا يأمر الله سبحانه وتعالى الأمة أن تتأدب مع رسول الله في نوعية المحادثة وكيفيتها.


الصفحة التالية
Icon