صفات أهل الصلح بين الطائفتين
الصلح من سمات الإسلام، وهو مبني على التسامح والتنازل عن بعض الحقوق كما يقول الله: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨]، فلابد للمتصالحين أن يتنازل كل منهما من جانبه ويتغلب على شح نفسه لكن من الذي سيتدخل ويصلح بين الطائفتين؟ نحتاج إلى من يكون عالماً خبيراً بأسباب الخلاف والنزاع، وأسباب الخلاف إذا كانت طائفتان كبيرتان أو قبيلتان أو حتى قطران، إما أن يكون أمراً اقتصادياً أو جنائياً أو أدبياً أو سياسياً.
أو إلى آخره؛ فنحتاج إلى تكوين لجنة عدل من كل تلك الفرق لتصل إلى حقيقة الخلاف وتفصل فيه، وتقول للباغية: أنتِ باغية قفي عند حدكِ، فإن وقفت والتزمت فبها ونعمت، وإن لم تقبل وبغت على أختها كان واجب المسلمين أن يردوها عن بغيها، كما في الحديث: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: مظلوماً ننصره، وظالماً كيف ننصره؟ قال: ردك إياه عن ظلمه فهو نصرة له).
وهكذا نحتاج كما قيل: إلى هيئة تكون خبيرة بأسباب النزاع تبحث مع وقف القتال؛ لأن البحث في أسباب النزاع والعمل على إيجاد صلح مع وجود القتال لا يتم أبداً، ونحن نشاهد الآن في كثير من الحركات بين الدول أو بين قطر داخلياً أو خارجياً يجلسون للمفاوضات وإطلاق النار ما زال مستمراً، فلا نلبث أن يعقد اتفاق وقف إطلاق النار، وربما لا يلبث ساعتين أو عشر ساعات أو يوم وليلة أو عدة أيام حتى ينقض، لماذا؟ لأنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة معرفة سبب الخلاف وإلى الواجب الذي يجب على كل طائفة أن تكون عليه، فيكونوا أصلحوا بينهما مبدئياً أن يكفوا عن القتال فيما بينهم.
وهذا إصلاح.
ثم بعد البحث وإعلان النتيجة؛ فإن التزمت الطائفتان بذلك فالحمد لله، وإن لم يلتزما أو كان الالتزام من جانب واحد كانت الأمة ملزمة أن تقاتل الباغية التي بغت على أختها، ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩]، أي: ترجع، ليس إلى هيئة الأمم ولا مجلس الأمن، ولكن ترجع إلى حكم الله؛ لأن رجوع الظالم مهما كان ظلمه وشخصه وطغيانه إذا عرف أنه راجع إلى الله وقف عند حده؛ ولأن الرجوع إلى الله هو عين العدل والإنصاف والحكمة، ولذا جاء هناك حينما تكون المفاهمة بعد كف القتال، ﴿فَإِنْ فَاءَتْ﴾ [الحجرات: ٩]، وامتثلت ورجعت وانتهى القتال هناك يكون الحكم بالعدل، وليس هناك كما يقال: حق الفيتو بأن ينقض القرار إذا كان لصالح دولة كبرى ولا أن يكون لمصلحة دولة صغرى، ومتى ينقض حق؟ إذا كان العدو بيده السلاح، وهذا كما أشرنا سابقاً: أخذ نظام هيئة محكمة عدل إسلامية دولية يمكن أن تفض جميع المنازعات بين الأمم المسلمة على هذا القانون على مقتضى هذا التشريع: أن تقوم بالعدل والقسط.
أن تكف بينهما أولاً، ثم تشرع في بحث الخلاف، ثم تصدر قرارها فيما يلزم، فإن التزموا بذلك فالحمد لله، وإلا فالأمة كلها مسئولة عن ردعها.
بقي من من الأمة يتدخل في شئون الآخرين؟ يجب أن تجرد قوة باسم الأمة الإسلامية قوة ردع لمن بغى، ولو وجد هذا النظام باسم الإسلام لما احتاج المسلمون أن يذهبوا إلى خارج بلادهم أو أن يتحاكموا إلى غيرهم، والمجال في هذا واسع طويل، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
وهناك عودة إلى موجب هذه المسئولية وتحملها بسبب إخوة الإيمان، ﴿الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: ١٠]، يعني: ضريبة هذا الإصلاح، وتحمل هذه النفقات، أو ربما يكون هناك قتلى بسبب الإصلاح وردع الباغية، كل ذلك في سبيل الأخوة في الله، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله، وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon