نوع الصلح بين الطائفتين المتقاتلتين
قال الله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩].
ما نوعية الصلح بين الطائفتين، وما أسباب القتال، وما نوع الصلح الذي يقوم به المسلمون؟ نجد أن الصلح هنا جاء مرتين: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ [الحجرات: ٩] هناك في الأول: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ﴾ [الحجرات: ٩]، ما جاء وصف العدل في الأول، وهنا: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ [الحجرات: ٩]، لماذا جيء بالعدل في الإصلاح الثاني ولم يأت به في الإصلاح الأول؟ قالوا: لأن الغرض بالإصلاح الأول هو كف الطائفتين بعضهما عن بعض بالقتال، بينهما هدنة، أن يكف كل منهما عن الآخر ليمكن التفاهم بين الفريقين ومعرفة أسباب القتال، وتصفية ما بينهما فيما وقع من خسائر أو من دماء أو غير ذلك، فهناك يأتي العدل.
إذاً: هنا: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ﴾ [الحجرات: ٩]، أي: كفوا أيديهم عن القتال، وهذا إصلاح أولي، ثم بقي معنا الطائفتين.
يقول بعض العلماء: قد يكون القتال بين الطائفتين وهما من الأمة؛ قبيلتان أو أسرتان، وربما قطران، لكن كما يقولون: سبب النزول: أن ابن أُبي لما مر عليه ﷺ راكباً حمار وذاهباً إلى سعد بن عبادة في منطقتهم، فوقف على ابن أُبي يدعوه إلى الإسلام، فقال: إليك عني، اذهب فقد آذاني نتن ريح حمارك، فقام عبد الله بن رواحة وقال: والله لنتن حماره أطيب ريحاً منك، فقام لـ ابن أُبي رئيس المنافقين من انتصر له وانتصر لـ ابن رواحة المسلمون وكان بينهما مناوشات، فنزلت الآية.
وبعضهم يقول: لا.
بل كان الأمر بين الأوس والخزرج.
وقيل: كانت هناك امرأة عند رجل اسمها أم زيد، وكان بينه وبين زوجه ما يكون بين الأزواج، ومنعها أن تذهب إلى أهلها، فجاء أهلها في غيبته ليأخذونها وينزلونها من عليتها، فقام أهل الرجل في الحي ومنعوهم ووقع بينهما ما وقع فنزلت الآية.
وأياً كان سبب النزول فإنه انتهى وبقي صريح النقل، وكما قيل: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فيقولون: إن كانت الطائفة الباغية من الأمة كان على ولي أمر المسلمين أن يكف الباغية؛ لأن له سلطان عليها، وإن كان البغي من جانب الأمير فعلى المسلمين نصحه بقدر الإمكان والتدرج بشرط أن لا يتوقع مفسدة أكثر مما يكون بين الطائفتين.
إذاً: نوع الإصلاح يتوقف على نوعية الخلاف وعلى نوعية الطائفتين، حتى لو كانا شخصان متنازعان فوجب على الأمة الإصلاح بينهما، وكما قيل: طبيعة الإصلاح من سيماء الإسلام، والله سبحانه وتعالى أوجب الصلح بين المتنازعين، وأوجب الصلح أيضاً حتى بين الزوجين، ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: ٣٥] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨].