أثر الأخوة الإسلامية في تلاحم وترابط المجتمع المسلم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فلن تكون للأمة الإسلامية أصالة ومناعة وترابط وتراحم وتلاحم إلا إذا انضووا تحت الأخوة الإسلامية.
واستقوا من رحيقها، وعملوا بمضمونها، كما كان ﷺ مع أصحابه، وكان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: إن تلك الرابطة الإيمانية التي ألغت روابط النسب والجنس والعرق والوطن قد ربطت بين مؤمني هذه الأمة وبين حملة العرش من ملائكة الرحمن، كما قال الله: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: ٧] ؛ فهذه رابطة الإيمان بين الملائكة ومؤمني هذه الأمة، ثم عطفت قلوب الملائكة على المؤمنين في هذه الدعوات المخلصة: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [غافر: ٧-٨] مجال واسع الآباء والذريات والأزواج، ما كان بين الملائكة ومؤمني البشر عنصر يجمعهم؛ فالبشر من مادة الماء والطين، والملائكة عالم نوراني، وكل له خصائصه، ولكن الرابطة العامة قد ربطت بينهما، ويبدو لي أن تلك الرابطة أوسع مدى، فقد ربطت بين المؤمن والحيوان، والمؤمن والجماد، فهذا سفينة صاحب رسول الله ﷺ عائد من بعض الغزوات، وإذا بالأسد على الطريق يمنع الناس من المرور، فشق الطريق إليه وتقدم عنده، وقال: (أيها الأسد! إني سفينة صاحب رسول الله ﷺ عزمت عليك لتفسحن الطريق للناس يمرون، فإذا بالأسد يتنحى عن الطريق ويمضي قليلا ويقف، فيقول لهم: اجتازوا فقد ابتعد عنكم) من الذي أفهم الأسد نداء سفينة؟ إنه الله! وهذا العلاء بن الحضرمي ذهب لغزو البحرين فإذا بالقوم قد علموا به، فانحازوا بسفنهم إلى داخل الجزيرة، فماذا يفعل القائد المسلم وقد قطع المسافة من المدينة إلى هناك قرابة شهرين؟ ما انتظر ولا رجع، ولكن بإيمانه ويقينه بالعهد الذي بينه وبين الله والمهمة التي توجه إليها؛ توجه إلى المولى سبحانه؛ لأنه بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي خلق كل شيء وأعطاه خصائصه، وهو قادر أن ينزعها عنه، فقال: أيها البحر! إنك تجري بأمر الله، ونحن جند في سبيل الله -الرابطة واحدة مجراك بأمر الله ومجيئنا أيضا بأمر الله- جئنا لنغزوا عدو الله؛ عزمت عليك لتجمدن لنعبر إليهم، ثم أمر الجيش بالمضي، فاقتحموا البحر وجمد لهم الماء.
يقول ابن كثير في هذا الخبر: ما ترجل الفارس، ولا احتفى المتنعل؛ فالذي ركب على فرسه ركب على فرسه، والذي كان لابساً لنعاله بقت نعاله في قدميه، وعبروا البحر يمشون على وجه الماء، حتى وصلوا إلى العدو وقاتلوا وفتح الله عليهم.
هذه أيها الإخوة نماذج وأحداث لولا أنها ثبتت عن سلف الأمة وعلمائها لكان العقل يتوقف ويتساءل: كيف يكون ذلك؟ ولكن لا، فالكيف لا يتوجه إلى قدرة القادر سبحانه؛ لأنه مكيف الأشياء.