حكم المصاهرة مع فوارق الأنساب
في هذا المقام نحب أن ننبه على قضية اجتماعية لها خطرها في المجتمعات، وهي: ﴿خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾ [الحجرات: ١٣]، أي: متساوون في الخلقة، ونظام التكارم أو المكارمة ليس في تلك الأنساب؛ لأن مردها إلى نسب واحد، ولكن حقيقة المكارمة في البشر إنما هي بالتقوى، (أتقاكم أكرمكم)، في هذه القضية نجد بعض الناس فيما يتعلق بالأنساب والزواج يتشددون، ويفرقون بين جماعة أو طائفة من الجماعة وطائفة أخرى، فإذا كان النسب مسلسلاً إلى قبيلة من القبائل؛ فلا يزوج إلا من كان كذلك مسلسلاً نسبه إلى قبيلة من القبائل، ويقولون: نريد أن نحفظ أنسابنا.
وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)، فيقولون: حفظ النسب مطلوب لصلة الرحم.
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣]، قال: هذا عند الله، أما عندنا نحن وعند الناس وفي الدنيا لا؛ فلا يزوجون من لا يعرف انتسابه إلى قبيلة بعينها، ويفرقون بين هذا وذاك، فمن ثم وجدت تلك الطائفية أو هذا التقسيم في بني البشر، فلربما يأتي إنسان ويأخذه الحماس ويقول: هذا خطأ وهذا باطل، وهذا لا أصل له، والله يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] وفي الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، والآن: إذا جاء من نرضى دينه وخلقه مع كونه نسيباً نزوجه، أما إذا كان ممن نرضى دينه وخلقه وليس نسيباً فلا نزوجه، وهذا مخالفة لظاهر الحديث.
أيها الإخوة! إذا جاء إنسان يخطب وهو لا يُعرف ما صلة نسبه إلى قبيلة سوى؛ (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وجاء يخطب ابنة إنسان نسيب في قبيلته، فهل يتعين ويجب على المخطوب من عنده أن يزوجه، أم أن له الحق في أن يرفض، ولو كان من قبيلة أعلى من قبيلته ولكنه لا يريد أن يزوجه، فهل هو ملزم أم أن له الاختيار؟ الواقع أن له الاختيار.
وما دام له الاختيار فيما لو تساوى معه في النسب الذي يتمسك فله الاختيار في غيره كذلك، ومعادات الناس ومحاربتهم فيها يجب أن ينظر فيها إلى النتيجة التي تترتب على ذلك، وخاصة في المباحات.


الصفحة التالية
Icon