وقد جمع في هذه الآية بين ﴿ استوى على العرش﴾ وبين ﴿وهو معكم﴾ والأخذ بالظاهرين تناقض، فدل على أنه لابد من التأويل، والإعراض عن التأويل اعتراف بالتناقض، وقد قال الإمام أبو المعالي: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله- عز وجل- من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت(١).
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج :﴿ ترجع ﴾ مبنيا للفاعل، من رجع رجوعا، وعلى البناء للمفعول، كما في قراءة الجمهور، هو من رجع رجعا (٢).
المعنى الإجمالي
توضح لنا هذه الآيات الكريمات خلق الله للسماوات والأرض في هذه المدة، ليعلم عباده الرفق والتثبت في الأمور، ولو أراد – سبحانه –أن يخلق الكون كله في لحظة، بل في برهة لفعل، إذ لا يعجزه شيء، لأنه- سبحانه- ﴿ إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾. ثم تعرضت الآيات الكريمة بعد ذلك لاستواء الله – عز وجل - على العرش، وعرش الله مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، أما حقيقته وكيفيته، فلا يعلمها إلا علام الغيوب – سبحانه وتعالى.
و مسألة الاستواء على العرش، للعلماء فيها كلام وإجراء وفيها أربعة عشر قولا، والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز، فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين، تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم، لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بحجة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم على المكان والحيز والحركة والسكون للمتحيز، والتغير والحدوث، هذا قول المتكلمين
وقد كان السلف الأول- رضي الله عنهم- لا يقولون بنفي الجهة، ولا ينظرون بذلك، بل نطقوا هم والكافة، بإثباته لله تعالى، كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخص العرش بذلك، لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، قال مالك- رحمه الله - : الاستواء معلوم، يعني في اللغة
والكيف، مجهول والسؤال عن هذا بدعة، وكذا قالت أم سلمة- رضي الله عنها- (٣).
ومن نافلة القول أن نبين هنا: أن الاستواء على العرش ذكرفي القرآن الكريم في سبعة مواضع :
في: سورة الأعراف؛ و يوسف؛ والرعد، وطه، والفرقان، والسجدة، و الحديد وورد ذكر العرش في القرآن بالنسبة لله واحداً وعشرين مرة،

(١) القرطبي: ٧/ ٢١٩.
(٢) ابو السعود: ٨/٢٠٤.
(٣) القرطبي ج: ٧ ص: ٢١٩و٢٢٠


الصفحة التالية
Icon