﴿ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ﴾ قال ابن عباس : أي من حيث جئتم من الظلمة،
أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة فالتمسوا نورا هناك قال مقاتل: هذا من الاستهزاء بهم، كما استهزءوا بالمؤمنين، في الدنيا حين قالوا: آمنا وليسوا بمؤمنين، وذلك قوله تعالى الله :﴿يستهزئ بهم﴾ أي حين يقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا.
وقال أبو أمامة: يرجعون حين يقال لهم ذلك، إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئا، فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم، وهي خدعة الله تعالى، التي خدع بها المنافقين، حيث قال سبحانه: ﴿ يخادعون الله وهو خادعهم﴾
وقيل المراد: ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورا بتحصيل سببه، وهو الإيمان، أو تنحوا عنا والتمسوا نورا غير هذا، فلا سبيل لكم إلى الأقتباس منهو
والغرض: التهكم والاستهزاء أيضا.
وقيل : أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم، وهو خلاف الظاهر وأيا ما كان، فالظاهر أن﴿ وراءكم﴾ معمول لأ رجعوا، وقيل : لا محل له من الإعراب، لأنه بمعنى ارجعوا، فكأنه قيل : ارجعوا ارجعوا كقولهم وراءك أوسع لك أي ارجع مكانا أوسع لك.(١)
﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم ﴾ أي بين الفريقين.
وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير﴿ فضرب﴾ مبنيا للفاعل، أي فضرب هو أي الله عز وجل ﴿ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب﴾ُ أي بحاجز قال ابن زيد : هو الأعراف، وقال غير واحد، حاجز غيره،
والباء مزيدة.
﴿لَّهُ بَابٌ ُ﴾ أي الباب كما روي عن مقاتل، أو السور، وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة،
﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب﴾ الرحمةأى الثواب والنعيم الذي لا يكتنه، وظاهره الجانب الذي يلي مكان المنافقين، أعني النار من قبله، أي من جهته العذاب
وهذا السور قيل : يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي في مسجد بيت المقدس،
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وغيرهم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن فضرب بينهم بسور هو سور بيت المقدس الشرقي، باطنه فيه الرحمة المسجد، وظاهره من قبله العذاب يعني وادي جهنم وما يليه.

(١) روح المعاني: ٢٧/١٧٧.


الصفحة التالية
Icon