وقرأ غير واحدمن السبعة وما نزل بالتشديد والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية يونس وعباس عنه نزل مبنيا للمفعول مشددا وعبد الله أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل.
﴿ ولا يكونوا كالذين أوتواالكتاب من قبل﴾ (لا) نافية وما بعدها منصوب معطوف على تخشع، وجوز أن تكون ناهية، وما بعدها مجزوم بها، ويكون ذلك انتقالا إلى نهي أولئك المؤمنين عن مماثلة أهل الكتاب بعد أن عوتبوا بما سمعت، وعلى النفي هوفي المعنى نهي أيضا،
وفي قراءة: ( ولا تكونوا) بالتاء الفوقية، على سبيل الالتفات، للاعتناء بالتحذير وفي( لا) ما تقدم، والنهي مع الخطاب أظهر منه مع الغيبة.(١)
ويجوز أن يكون نهيا لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب، بعد أن وبخوا ذلك بنى اسرائيل، كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم، واذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة.(٢)
﴿فطال عليهم الأمد﴾ أي الأجل بطول أعمارهم وآمالهم، أو طال أمد ما بينهم وبين أنبيائهم - عليهم السلام- وبعد العهد بهم، وقيل أمد انتظار القيامة والجزاء، وقيل أمد انتظار الفتح،
وفرقوا بين الأمد والزمان، بأن الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عام في المبدأ والغاية.
وقرأ ابن كثير في رواية ﴿الأمد﴾ بتشديد الدال، أي الوقت الأطول.
﴿ فقست قلوبهم﴾ صلبت فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
والمراد بالكتاب : الجنس فالموصول يعم اليهود والنصارى، وكانوا كلهم في أوائل أمرهم يحول الحق بينهم وبين كثير من شهواتهم، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله تعالى ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة وزالت عنهم الروعة التي كانت يجدونها عند سماع الكتابين وأحدثوا ما أحدثوا واتبعوا الأهواء وتفرقت بهم السبل. والقسوة مبدأ الشرور وتنشأ من طول الغفلة عن الله تعالى.(٣)
﴿ وكثير منهم فاسقون ﴾أي خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم بالكلية من فرط القسوة، أي وقليل منهم مؤمنون، وذكر أنه مأخوذ من كون الجملة حال وفيه خفاء والأظهر أنه من السياق. (٤)
يقال: فسق فلان خرج عن حجر الشرع، وذلك من قولهم: فسق الرطب: إذا خرج عن قشره، وهو أعم من الكفر.(٥)

(١) روح المعاني ج: ٢٧ ص: ١٧٩و١٨١.
(٢) تفسير النسفي ج: ٤ ص: ٢١٧
(٣) روح المعاني: ٢٧/١٨١.
(٤) تفسير النسفي ج: ٤ ص: ٢١٨، والمصدر السابق.
(٥) المفردات مادة فسق ص٣٩٤.


الصفحة التالية
Icon