وقرأ نافع وابن عامر:﴿ فإن الله الغني الحميد﴾ بغير هو، والباقون:﴿ هو الغني﴾ على أن يكون فصل، ا ويجوز أن يكون مبتدأ، والغني خبره، والجملة أن يكون فصلا لأن حذف الفصل أسهل من حذف المبتدأ.(١)
والمراد به: نفى الأسى المانع عن التسليم لأمر الله- تعالى- والفرح الموجب للبطر ولاختيال، ولذلك عقب بقوله- تعالى - :﴿ والله لا يحب كل مختال فخور﴾ فإن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها لا محالة
وفي تخصيص التذييل بالنهى عن الفرح المذكور، إيذان بأنه أقبح من الأسى.(٢)
وقوله:﴿الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل﴾ بدل من كل مختال، فإن المختال بالمال يضن به غالبا، ويأمر غيره به، أو مبتدأ، خبره محذوف يدل عليه
قوله تعالى:﴿ ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد﴾ فإن معناه: ومن يعرض عن الإنفاق، فإن الله عني عنه وعن إنفاقه، محمود في ذاته، لا يضره الأعراض عن شكره بالتقرب إليه بشىء من نعمه، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق.(٣)
المعنى الإجمالي
ببين الحق- تبارك وتعالى- في هذه الآيات الكريمات، أن ما يصاب به العباد من المصائب، قد سبق بذلك قضاؤه وقدره، وثبت في اللوح المحفوظ، أن كل كائن بقضاء الله وقدره
فالكل مكتوب مقدر، وهذا ليس معناه أن يتقاعس الإنسان على أداء ما يجب عليه، بل ينبغي أن يجدَ في الأخذ بالأسباب، فعن جابر- رضي الله عنه- قال : جاء سراقة بن مالك بن جعشم. قال : يارسول الله بين لنا ديننا كأن خلقنا الآن فيم العمل أفيم جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، قال : ففيم العمل ؟ قال زهبر : ثم تكلم أبوزهبر يشيء لم أفهمه، فسألت ماقال، فقال : إعملوا فكل ميسر}.(٤)
عن رسول الله- ﷺ – قال:﴿ قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة﴾.(٥)
(٢) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦٠.
(٣) تفسير أبي السعود ج: ٨ ص: ٢١٢.
(٤) مسلم ك/ القدر، ب/ كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته، وسعادته ( ٢٦٤٨).
(٥) مسند الإمام أحمد رقم( ٢١٦٩) ورواه الإمام مسلم في صحيحه رقم( ٢٦٥٣) من حديث عبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح، ونافع بن زيد، ثلاثتهم عن أبي هانئ به، وزاد ابن وهب : وكان عرشه على الماء، ورواه الترمذي في سننه رقم( ٢١٥٦)، وقال: حسن صحيح.