قيل : أنزلنا الحديد، أي أنشأناه وخلقناه، كقوله تعالى: ﴿وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج﴾ وهذا قول الحسن، فيكون من الأرض غير منزل من السماء وقال أهل المعاني : أي أخرج الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه.(١)
وقيل : أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله - ﷺ بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات، فلما قامت الحجة على من خالف شرع الله الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب، والهام لمن خالف القرآن.(٢)
ومعنى ومنافع للناس: أنهم ينتفعون به في كثير مما يحتاجون إليه مثل السكين والفاس والإبرة وآلات الزراعة والنجارة والعمارة، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب معطوف على قوله﴿ ليقوم الناس﴾ أي لقد أرسلنا رسلنا وفعلنا كيت وكيت، ليقوم الناس وليعلم، وقيل معطوف على علة مقدرة كأنه قيل ليستعملوه وليعلم الله، والأول: أولى، والمعنى: أن الله أمر في الكتاب الذي أنزل بنصره دينه ورسله، فمن نصر دينه ورسله علمه ناصرا، ومن عصى علمه بخلاف ذلك، و﴿بالغيب﴾ في محل نصب على الحال من فاعل ينصره، أو من مفعوله، أي غائبا عنهم أو غائبين عنه، وكذب به وعانده.(٣)
﴿ ومنافع للناس ﴾أي في معايشهم، كالسكة والفأس والقدوم، والمنشار، والأزميل، والمجرفة، والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة، والطبخ، والخبز، وما لا قوام للناس بدونه، وغير ذلك.
﴿فيه بأس شديد﴾ يعني السلاح والكراع والجنة، وقيل أي فيه من خشية القتل، خوف شديد، ومنافع للناس قال مجاهد : يعني جنة، وقيل : يعني انتفاع الناس بالماعون من الحديد، مثل السكين والفأس والإبرة ونحوه.
﴿وليعلم الله من ينصره﴾ أي أنزل الحديد، ليعلم من ينصره، وقيل : هو عطف على قوله تعالى :﴿ ليقوم الناس بالقسط﴾ أي أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب وهذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق، وليعلم الله من ينصره وليرى الله من ينصر دينه، و ينصر رسله بالغيب.
قال ابن عباس : ينصرونهم لا يكذبونهم، ويؤمنون بهم بالغيب، أي وهم لا يرونهم.(٤)
(٢) فتح القدير ج: ٥ ص: ١٧٨.
(٣) تفسير ابن كثير ج: ٤ ص: ٣١٦.
(٤) تفسير القرطبي ج: ١٧ ص: ٢٦١.