وأما الطبقة العليا من نمط اللباب فهي السوابق والأصول من العلوم المهمة، وأشرفها العلم بالله واليوم الآخر لأنه علم المقصد، ودونه العلم بالصراط المستقيم وطريق السلوك وهو معرفة تزكية النفس وقطع عقبات الصفات المهلكات وتحليتها بالصفات المنجيات... وقد أودعنا هذه العلوم بكتب احياء علوم الدين.. ففي ربع المهلكات ما تجب تزكية النفس منه من الشره والغضب والكبر والرياء والعجب والحسد وحب الجاه وحب المال وغيرها، وفي ربع المنجيات يظهر ما يتحلى به القلب من الصفات المحمودة كالزهد والتوكل والرضا والمحبة والصدق والإخلاص وغيرها.. وبالجملة يشتمل كتاب الاحياء على أربعين كتابا يرشدك كل كتاب الى عقبة من عقبات النفس وأنها كيف تقطع، وإلى حجاب من حجبها وأنه كيف يرفع... وهذا العلم فوق علم الفقه والكلام وما قبله لأنه علم طريق السلوك، وذلك علم آلة السلوك واصلاح منازله ودفع مفسداته كما يظهر.. والعلم الأعلى الأشرف علم معرفة الله تعالى فإن سائر العلوم تراد له ومن أجله، وهو لا يراد لغيره، وطريق التدريج فيه الترقي من الأفعال الى الصفات ثم من الصفات الى الذات فهي ثلاث طبقات، أعلاها علم الذات ولا يحتملها أكثر الأفهام ولذلك قيل لهم : تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله... وإلى هذا التدريج يشير تدرج رسول الله في ملاحظته ونظره حيث قال: أعوذ بعفوك من عقابك... فهذه ملاحظة الفعل، ثم قال: وأعوذ برضاك من سخطك... وهذه ملاحظة الصفات، ثم قال: وأعوذ بك منك... وهذه ملاحظة الذات.. فلم يزل يترقى الى القرب درجة درجة ثم عند النهاية اعترف بالعجز فقال: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك... فهذا اشرف العلوم.. ويتلوه في الشرف علم الآخرة وهو علم المعاد كما ذكرناه في الأقسام الثلاثة وهو متصل بعلم المعرفة وحقيقته معرفة نسبة العبد الى الله تعالى عند تحققه بالمعرفة أو مصيره محجوبا بالجهل وهذه العلوم الأربعة أعني ١


الصفحة التالية
Icon