فاعلم أن التكلف والترسم ممقوت عند ذوي الجد فما كلمة طمس الا وتحتها رموز واشارات الى معنى خفي يدركها من يدرك الموازنة والمناسبة بين عالم الملك وعالم الشهادة وبين عالم الغيب والملكوت، إذ ما من شيء في عالم الملك والشهادة الا وهو مثال لأمر روحاني من عالم الملكوت كأنه هو في روحه ومعناه، وليس هو هو في صورته وقالبه.. والمثال الجسماني من عالم الشهادة مندرج الى المعنى الروحاني من ذلك العالم ؛ ولذلك كانت الدنيا منزلا من منازل الطريق الى الله ضروريا في حق الانس اذ كما يستحيل الوصول الى اللب الا من طريق القشر فيستحيل الترقي الى عالم الأرواح الا بمثال عالم الأجسام، ولا تعرف هذه الموازنة الا بمثال فانظروا الى ما ينكشف للنائم في نومه من الرؤيا الصحيحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وكيف ينكشف بأمثلة خيالية، فمن يعلم الحكمة غير أهلها يرى في المنام أنه يعلق الدر على الخنازير ورأى بعضهم أنه كان في يده خاتم يختم به فروج النساء وأفواه الرجال فقال له ابن سيرين أنت رجل تؤذن في رمضان قبل الصبح فقال نعم، ورأى آخر كأنه يصب الزيت في الزيتون فقال له ان كان تحتك جارية فهي أمك قد سبيت وبيعت واشتريتها أنت ولا تعرف فكان كذلك ؛ فانظر ختم الأفواه والفروج بالخاتم مشاركا للأذان قبل الصبح في روح الخاتم وهو المنع وان كان مخالفا في صورته وقس على ما ذكرته ما لم أذكره، واعلم أن القرآن والأخبار تشتمل على كثير من هذا الجنس فانظر الى قوله ﷺ : قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن ؛ فان روح الأصبع القدرة على سرعة التقليب، وانما قلب المؤمن بين لمة الملك وبين لمة الشيطان، هذا يغويه وهذا يهديه؛ والله تعالى بهما يقلب قلوب العباد كما تقلب الأشياء أنت بأصبعيك، فانظر كيف شارك نسبة الملكين المسخرين الى الله تعالى أصبعيك في روح أصبعيه وخالفا في الصورة