واذا تفكرت وجدت الفاتحة على ايجازها مشتملة على ثمانية مناهج : ١ فقوله تعالى: ؟بسم الله الرحمن الرحيم ؟ نبأ عن الذات... ٢ وقوله ؟الرحمن الرحيم ؟نبأ عن صفة من صفات خاصة وخاصيتها أنها تستدعي سائر الصفات من العلم والقدرة وغيرهما ثم تتعلق بالخلق وهم المرحومون تعلقا يؤنسهم به ويشوقهم اليه ويرغبهم في طاعته لا كوصف الغضب لو ذكره بدلا عن الرحمة فإن ذلك يحزن ويخوف ويقبض القلب ولا يشرحه... ٣ وقوله ؟الحمد لله رب العالمين؟ يشتمل على شيئين أحدهما أصل الحمد وهو الشكر وذلك أول الصراط المستقيم وكأنه شطره فان الايمان العملي نصفان نصف صبر ونصف شكر كما تعرف حقيقة ذلك ان أردت معرفة ذلك باليقين من كتاب احياء علوم الدين لا سيما في كتاب الشكر والصبر منه وفضل الشكر على الصبر كفضل الرحمة على الغضب فان هذا يصدر عن الارتياح وهزة الشوق وروح المحبة وأما الصبر على قضاء الله فيصدر عن الخوف والرهبة ولا يخلو عن الكرب والضيق وسلوك الصراط المستقيم الى الله تعالى بطريق المحبة وأعمالها أفضل كثيرا من سلوك طريق الخوف وانما يعرف سر ذلك من كتاب المحبة والشوق من جملة كتاب الإحياء ولذلك قال رسول الله أول ما يدعى الى الجنة الحمادون لله على كل حال والثاني قوله تعالى رب العالمين اشارة الى الأفعال كلها واضافتها اليه بأوجز لفظ وأتمه احاطة بأصناف الأفعال لفظ رب العالمين وأفضل النسبة من الفعل اليه نسبة الربوبية فان ذلك أتم وأكمل في التعظيم من قولك أعلى العالمين وخالق العالمين... ٤ وقوله ثانيا ؟الرحمن الرحيم؟ اشارة الى الصفة مرة أخرى ولا تظن أنه مكرر فلا تكرر في القرآن اذ حد المكرر ما لا ينطوي على مزيد فائدة وذكر الرحمة بعد ذكر العالمين وقبل ذكر؟ مالك يوم الدين؟ ينطوي على فائدتين عظيمتين في تفضيل مجاري الرحمة احداهما تلتفت الى خلق رب العالمين فانه خلق كل واحد منهم على أكمل أنواعه وأفضلها وآتاه كل ما يحتاج اليه فأحد العوالم